strong>مي الصايغ
مع ترجيح عودة يمين الوسط، بقيادة رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلوسكوني، بقوة إلى المسرح السياسي الإيطالي عبر صناديق الاقتراع، لا يبدو أن الانتخابات المبكرة التي أعلن عنها الرئيس الإيطالي جورجيو نابولتيني كافية لحلّ الأزمة السياسية التي أحدثتها استقالة رئيس الوزراء رومانو برودي، ولا سيما أن أي تعديل لم يطرأ على قانون الانتخاب، الذي يشتّت أصوات الناخبين بين عدد كبير من الأحزاب الصغيرة‏، لتحمل كل حكومة إيطالية لدى تأليفها بذرة سقوطها.
ويُجمع المراقبون على أن النظام الانتخابي الحالي، الذي أقرّه تكتل برلوسكوني في عام ‏2005‏، قبل أشهر من الانتخابات التشريعية في نيسان ‏2006، هو سبب الأزمة السياسية الحالية. إذ باتت الأحزاب الصغيرة التي تحتل عدداً قليلاً من المقاعد في البرلمان بمثابة بيضة القبان، ما انعكس سلباً على استقرار الحياة السياسية في إيطاليا.
ويعتمد القانون الانتخابي، الذي يراه مُعدُّه روبرتو كالديرولي «عملاً قذراً»، على النسبية، مع أفضلية لحزب الغالبية في تشكيل ائتلاف من الأحزاب التي تحصل على العدد الأكبر من الأصوات‏.‏ وبموجب هذا النظام، أصبحت الأحزاب الصغيرة ممسكة بميزان القوة السياسية في البرلمان‏، لدرجة اتهام وزير العدل السابق، كليمانت ماستيلا، الذي فجّر الأزمة بانسحابه من حكومة برودي، بأخذ الحكومة رهينة للحصول على فدية‏.
ويربط بعض المراقبين استقالة ماستيلا باحتمال تطبيق برودي لإصلاحات انتخابية، كان من المفترض أن يجري استفتاء عليها في وقت لاحق من العام الجاري، يمكن أن تقضي على الأحزاب السياسية الصغيرة.
وكان برودي قد واجه أزمة مماثلة في شباط الماضي، بسبب معارضة سياسته الخارجية التي تجلّت في تصويت بعض أعضاء التحالف اليساري التابع له ضده في مجلس الشيوخ، جرّاء موافقته على توسيع قاعدة عسكرية أميركية في بلده، وسعيه للإبقاء على القوات الإيطالية في أفغانستان.
ويُعَدّ رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلوسكوني، الرابح الأكبر من الأزمة الجديدة، إذ سعى من دون كلل طيلة الفترة السابقة للعودة إلى الساحة السياسية، وحثّ نابوليتانو على الدعوة إلى انتخابات مبكرة، مهدّداً بنزول ملايين الناس إلى الشوارع في حال عدم إجرائها.
وكان برلوسكوني قد دخل معترك السياسة عام 1993 عبر إمبراطوريته الإعلامية، فأسس حزب «إيطاليا إلى الأمام» (فورزا إيطاليا)، مستوحياً شعار المتحمسين لفريق كرة القدم الإيطالي «ميلانو» الذي يملكه. وبعد فوزه في الانتخابات، ألّف أول حكومة له عام 1994، إلى أن خذله حليفه حزب «رابطة الشمال»، فسقطت حكومته بعد أشهر من تأليفها، ليعود اليسار إلى الحكم. وفي عام 1996، خسر حزب برلوسكوني أمام مرشح يسار الوسط رومانو برودي، إلى أن جاءت فرصته الثانية عام 2001 إثر خلاف تآلف أحزاب اليسار ونجاح اليمين بقيادته في الانتخابات.
وكان تولّيه منصب رئيس الوزراء نقلة كبيرة في حياته وأسلوبه. فهو مع حرصه على البقاء في منصبه فترة أطول من التي قضاها في المرة الأولى، فقد مدّ حبال الوصل مع جماعات سياسية عنصرية ورجال أعمال نافذين مشكوك في نزاهتهم. وبالتالي، ضربت حكومته اليمينية، التي استمرت 5 سنوات، الرقم القياسي في هذا البلد المشهور بعدم استمرار حكوماته لأكثر من عامين في المتوسط.
ويرى منتقدو برلوسكوني أنه دخل السياسة لينقذ إمبراطوريته المالية، بعد تكاثر مشاكله مع القضاء، ومحاولة محاكمته بتهمة رشوة أحد القضاة. والمشكلة التي يأخذها البعض على برلوسكوني أنه رجل معتدٌّ بنفسه «يتخذ القرار أولاً ثم يفكر فيه ثانياً».
وبعيداً عن فقاعاته الإعلامية، أقحم برلوسكوني نفسه في الحرب على أفغانستان، إذ تعهّد بمساندة الولايات المتحدة في حملتها العسكرية. كما أغضبت مساندته للحرب على العراق غالبية الإيطاليين. ووصلت نسبة النمو في الاقتصاد الإيطالي أثناء ولايته إلى «الصفر»، ما حدا بالبعض إلى التهكم قائلاً إن «برلوسكوني يرأس وزارة جمهورية الموز، وإن وعوده لا تتعدى مرحلة الخطاب والتصفيق».
ويرد محلّلو الشأن الإيطالي الصعود السياسي الصاروخي لبرلوسكوني إلى شبكته الإعلامية الواسعة، في المجالين المرئي والمكتوب، ونادي ميلانو لكرة القدم. وتقدر ثروته الشخصية بنحو 12 مليار دولار، ما يضعه في صف كبار أثرياء العالم.
ومع إمكان عودة برلوسكوني إلى الواجهة السياسية، عبّر العديد من الإيطاليين عن إحباطهم من النظام السياسي الذي يبدو عاجزاً عن إفراز نخب جديدة، في وقت يتوجّس فيه الإيطاليون من معدل النمو المتدني وانخفاض الأجور، فضلاً عن مستقبل السياسة الإيطالية. ويقول المعلّق السياسي، بيبي جريلو، «لقد جرّبنا اليمين واليسار، لكن لا يوجد فرق بينهما. لذا، فإننا إذا ذهبنا إلى الانتخابات بالقانون القديم نفسه، فإن الناس ستفقد الأمل».
تشاؤم عزته صحيفة‏ «كورييري دي لاسيرا‏»‏ إلى المشكلة الحقيقية التي واجهت برودي، وهي أنه «بنى تحالفاً لهزيمة برلوسكوني، لا ليحكم إيطاليا»، وأن الهوس بمعارضة سياسات برلوسكوني كان أقصى ما يمكن أن يقدمه خصومه. وأوردت مفارقة وهي أن برودي الذي قدّم نفسه كآخر القلاع ضد‏ «البرلوسكونية‏»‏ يعيد برلوسكوني إلى الساحة.