أرنست خوري
مهما بلغت درجة الإثارة في قاعات مجلس النوّاب التركي في جلسته المقرّرة اليوم، التي سيصوّت فيها للمرّة الثانية والأخيرة على تعديل المادتين 10 و42 من الدستور، لرفع إلغاء الحظر على ارتداء الطالبات التركيّات للحجاب الإسلامي في الجامعات، فلن تبلغ المستوى الذي وصلت إليه جلسة الـ13 ساعة الماراثونية ليل الثلاثاء ـ الأربعاء الماضي.
من شبه الحتمي أن يجدّد معظم نوّاب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» وجزء من نوّاب «المجتمع الديموقراطي» الكردي، تصويتهم لمصلحة التعديل في جلسة اليوم. كما من شبه الحتمي أن يضع الرئيس عبد الله غول توقيعه على التعديل عندما يُرفَع إليه. في هذا السيناريو الافتراضي والواقعي في آن، ما هي الخطوات التالية الضرورية ليجد هذا التعديل طريقه نحو التنفيذ في الجامعات البالغ عددها 53 جامعة رسمية و19 خاصّة، والعديد من المعاهد العليا؟
إذا نقضت المحكمة الدستورية التعديل البرلماني، وهو المرجّح حصوله بناءً على الطعن الذي سيتقدّم به نوّاب حزب الشعب الجمهوري، فسيكون الرئيس أمام تحدٍّ لا يرغب في مواجهته، لكن قد يُجبَر على فعله. فغول أوضح الأسبوع الماضي أنه لا يرغب في طرح السماح بارتداء الحجاب على الاستفتاء الشعبي، القادر وحده على إبطال مفعول نقض المحكمة الدستوريّة التي سبق لها أن حظرت الحجاب في الجامعات عام 1989، باعتباره رمزاً سياسياً يستهدف النظام العلماني. وبرّر الرئيس حينها موقفه بأنّ ارتداء الحجاب «من الحريات الفرديّة الجوهريّة، غير القابلة للنقاش ولا للعرض على استفتاء شعبي يصوّر الموضوع كأنّ هناك في تركيا من يعارض إعطاء الحريات الجوهرية للمواطنين». غول في موقفه ذاك، يحاول، كما فعل منذ وصوله إلى قصر شنقايا في آب الماضي، أن يهادن الشارع العلماني العريض والنافذ في البلاد. لكنّه إذا أراد الحفاظ على شعبيّته، ليس كرمز للجمهورية فحسب، بل كقائد للحركة الإسلامية المعتدلة، فعليه تذوّق المرّ، وعرض التعديل على الاستفتاء. استفتاء تؤكّد جميع استطلاعات الرأي أنه سينال موافقة شعبيّة ساحقة لمصلحة التعديلات.
هذا على المستوى السياسي. أمّا على الصعيد العملي، فتتعلّق الخطوة الثانية، بتعديل المادّة 17 من قانون التعليم العالي، الناظم لسير المناهج والسلوكيّات داخل الحرم التعليمي العالي في البلاد؛ فالتعديل الدستوري، على أهميته، يبقى بلا معنى إذا لم يطل هذه المادّة، التي تمنع دخول المحجّبات الى الحرم الجامعي. ويجمع المراقبون على اعتبار أنّ هذه الخطوة، ستكون التحدّي الأصعب. فهذا المجلس، الذي يمتلك صلاحيّات هائلة، يتكوّن من 22 عضواً، مختلَطين من حيث انتماءاتهم السياسيّة، رغم الأرجحيّة البسيطة التي سبّبتها التعيينات الأخيرة التي قامت بها الحكومة والرئاسة في صفوف المجلس. وفي هذا السياق، طرأ أمس، تطوّر مفاجئ، قد تكون له دلالات واسعة.
فعشيّة تعديل المادّة 17 من قانون التعليم العالي، قدّم نائب رئيس المجلس، عيسى إشمي، استقالته، رابطاً خطوته بعجزه عن التفاهم مع رئيس المجلس الجديد الذي عيّنه غول في كانون الثاني الماضي، يوسف زيا أوزان.
المجلس المذكور، 7 من أعضائه يعيّنهم الرئيس، و8 آخرون يعيّنهم مجلس الوزراء، و7 ينتخبهم مجلس الأساتذة الجامعيين، ذوي القدرة الكبيرة على إدارة الصروح التعليميّة. وأوزان، المقرّب من الرئيس ومن حزبه، عُيِّن إلى جانب 4 أعضاء آخرين موالين بدورهم للحكومة، هم عمر ديمير وبرّاك كوتولوش ونسمي يوزباسيوغلو ودرموش غوناي. وفي بادرة تصالحيّة مع زملائهم العلمانيّين، استهلّ هؤلاء ولايتهم بزيارة جماعيّة إلى متحف أنيتكبير، حيث يجثم قبر أتاتورك، وسجّلوا في دفتر زوّاره تعهّداً بالمحافظة على الأسس العلمانية للنظام التعليمي.
قد تكون استقالة إشمي آخر الخطوات التي تحاول استباق الخسارة شبه الحتميّة للمغالين في علمانيتهم في تركيا. فهو بهذه الخطوة يتحاشى تسجيل اسمه في لائحة أعضاء المجلس الذي سمح بدخول المحجّبات إلى الكليات، وإن كان لهذه الخطوة مجرّد قيمة رمزيّة.
الإثارة الناقصة المتوقّعة في جلسة نوّاب تركيا اليوم، ستعوّض عنها إثارة مؤكّدة في الكليات والمعاهد، حيث بدأت روابط الأساتذة والطلاب تلوّح بعصا رفض دخول القاعات التي ستحلّ فيها الطالبات المحجّبات، وإن كان حجاباً يلائم الموضة، ويبتعد عن الحجاب الإسلامي الكلاسيكي.