strong>شهيرة سلّوم
يصفه البعض بأنه أخطر من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وآخرون يرون أنه الإرهابي الأخطر في العالم. مطلوب من واشنطن وإسلام آباد، وقد وُجّهت إليه أصابع الاتهام بتنفيذ اغتيال بنازير بوتو. جنّدت باكستان مئات آلاف الجنود لاعتقاله، ولم تفلح، أما الشعب فيرى أنه صناعة استخبارية ثلاثية من الـ«سي أي إي» و«الموساد» والراو الهندي

ينتمي أمير الحرب البشتوني بيعة الله محسود (32 عاماً) إلى قبيلته «محسود»، التي تعدّ واحدة من القبائل الأربع الأساسية في وزيرستان. ليس على قدر كبير من العلم، كما باقي الزعامات القبلية التي تتخرج من المدارس الدينية، إلا أنّه معروف بإلمامه السياسي الكبير ومهاراته العسكرية، لذلك يصفه رفاقه بأنه «قائد بالفطرة». تأثر بالمدرسة «الطالبانية» وذهب إلى أفغانستان للانضمام إلى مجاهديها لتطبيق الشريعة الإسلامية.
قبل عام 2004، لم يكن بيعة الله معروفاً، كان «الإرهابي» الأشهر بالنسبة إلى واشنطن زعيم «القاعدة في بلاد الرافدين» أبو مصعب الزرقاوي. إلا أن نجم محسود سطع بعد مقتل زعيم «القاعدة» في منطقة وزيرستان الجنوبية، نيك محمد، بواسطة صاروخ أميركي. وبعد مقتل الزرقاوي، انتقلت الجنة الآمنة لـ«القاعدة» من العراق إلى منطقة بيعة الله، حيث يتلقى عناصر التنظيم التدريب في المخيمات التي يحرسها رجاله.
في بداية زعامته، احتمى بيعة الله بظلال وشخصية شقيقه، عبد الله محسود، الذي كان يبدو بجاذبيته نجماً إعلامياً، قاتل إلى جانب طالبان ضدّ التحالف الشمالي، وخسر إحدى ساقيه بعدما داس على لغم أرضي، ليسلّمه في ما بعد أحد أمراء الحرب إلى القوات الأميركية التي نقلته إلى غوانتانامو حيث بقي عامين. أُخلي سبيله عام 2004 لأسباب غامضة، وعاد إلى وزيرستان، ليُطلق عملياته من جديد قبل أن يُقتل خلال اشتباكات مع الحكومة في تموز الماضي.
على عكس شقيقه، لا يحب بيعة الله الظهور الإعلامي، ويرفض تصويره ويُبقي وجهه مغطى عندما يظهر في العلن، بحيث لا تظهر سوى لحيته، ويتواصل مع جمهوره عبر الإذاعة المحلية بكلماته البطيئة، يتنقل من ملجأ إلى آخر وعبر الحدود إلى أفغانستان ليقاتل «الكفار»، ويبقي نشاطاته محاطة بالغموض والألغاز، فلا تعرف متى أو أين أو من ستكون ضحيته التالية. يتنقل في شاحنته برفقة العشرات من رجاله المدجّجين بالسلاح. نادراً ما ينام في السرير نفسه أكثر من مرتين، ويقول «ملاك الموت يحلق دوماً فوق رؤوسنا».
يتميز جيشه بمتانة تنظيمه؛ يُقسم إلى وحدات أوكل لكل منها مهمة خاصة، فتقوم وحدة بتنفيذ عمليات اغتيال ضدّ من يوالي الحكومة الباكستانية أو واشنطن أو من يدعم الاحتلال الأميركي لأفغانستان. ونفوذه القوي بين أبناء قبيلته جعلت منه أميراً غير رسمي على منطقة جنوب وزيرستان القبلية.

اتفاق 2005

في شباط 2005، وقّع بيعة الله محسود اتفاقية مع الحكومة، التي ادّعت بأنّها وليدة استسلامه. ولكنّ أتباعه رفضوا هذه الادّعاءات وقالوا إنها اتفاقية سلام. تعهّد بموجبها ورجاله بالكفّ عن مساعدة تنظيم «القاعدة» والمتمرّدين الآخرين وعدم شنّ أيّ هجمات على القوّات الحكومية الباكستانية.
وصف بيعة الله الاتفاق بأنّه يصبّ في مصلحة المناطق القبلية والحكومة لأنّ أعداء البلاد من مقاتلي التحالف الشمالي سابقاً المدعومين من الهند وروسيا يستغلون ضعف الحال بين الحكومة ورجال القبائل. وبموجب الاتفاق، حصل مع باقي رفاقه على 540 ألف دولار تقديراً لتعاونهم مع الحكومة، دُفعت له بعدما ادّعى بأنّه يدين لـ«القاعدة» بالمال، وبالتالي لا يمكنه أن يتحرّر. ورغم ذلك، طلب محسود من السلطات الباكستانية أن تُعطي حصته من المال إلى العائلات المنكوبة التي تضرّرت من العمليات العسكرية بين حركته والجيش الباكستاني.
بعد محاصرة القوات الباكستانية المسجد الأحمر في تموز الماضي وقتل المئات من الطلبة الإسلاميين، صعّد بيعة الله من عملياته. وبعدما أرسلت إسلام آباد جنودها لمطاردته، اتهم السلطات بنقض اتفاق السلام، ووقعت المعارك بين رجاله والجيش. خلال هذه المعارك، أمسك بأكثر من 250 جندياً باكستانياً، استسلموا له من غير قتال، طلب في المقابل إطلاق سراح 30 متمرّداً تعتقلهم السلطات الباكستانية. وليثبت مدى جديته أعدم ثلاث رهائن، وبعد يوم من إعلانه حال الطوارئ أطلق الرئيس الباكستاني برويز مشرف سراح 25 متمرّداً، ومن ضمنهم أشخاص كانوا يُعدّون لشن عمليات انتحارية.

اغتيال بوتو

استندت السلطات الباكستانية في اتهام محسود باغتيال بوتو إلى حوار جرى بينه وبين أحد النافذين في «القاعدة»، الشيخ ساهب، اعترف خلالها الأخير بعملية الاغتيال. وعندما سأله محسود من نفّذ العملية؟ أجاب «سعيد وبدر الله بلال وأكرم الله». إلا أن بيعة الله ادّعى بأنّ التسجيل محضّر، ونفى أي علاقة له بالاغتيال لأن رجاله «لا يقتلون النساء»، رغم أنه سبق وهدّد بالترحيب بها على «طريقته الخاصة» إذا ما عادت إلى باكستان.
ويقول أبو القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان، الذي يهتم بشأنه بيعة الله ويعمل على التواصل معه، في معرض شرحه لأسباب عداء بيعة الله لبوتو، إنه عندما عادت إلى بلادها في تشرين الأول، أرسل إلى كراتشي مسلّحين من أجل تصفيتها لمجموعة أسباب «أولاً، لأنها ساندت عملية المسجد الأحمر في تموز الماضي، وثانياً لرغبتها وإعلانها الواضحين بأنها ستسمح للقوات الأميركية بمطاردة بن لادن في المناطق القبلية إذا وصلت إلى السلطة، وثالثاً، لأنها كانت ستسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقيق مع خان في حال انتخابها أيضاً».
ونقلت مجلّة «نيوزويك» عن مصدر رفض الكشف عن هويته أن محسود عندما علم باغتيال بوتو، قال «عمل رائع، وصبيان شجعان». وادّعى المصدر نفسه أن بيعة الله وحلفاءه من «القاعدة»، وضعوا خططاً لقتل بوتو، وأرسلوا الانتحاريين إلى خمس مدن، كراتشي وبيشاور ولاهور وإسلام آباد وروالبندي. وُجّهت إليهم أوامر واضحة: اللحاق ببوتو واغتيالها حيثما تسنح الفرصة.

صنيعة الاستخبارات

يسود اعتقاد عند بعض الباكستانيين بأن بيعة الله محسود ما هو في الحقيقة إلا صناعة الثلاثي الاستخباري: الاستخبارات الأميركية (سي أي إيه)، والاستخبارات الهندية (الراو) والموساد الإسرائيلي، وظيفته أن يخلق الفوضى في باكستان بهدف إضعاف الحكومة المركزية ونشر ثقافة معادية للإسلام داخل البلاد وحول العالم، وسلسلة التفجيرات الانتحارية التي تطال باكستان تهدف إلى هذا المخطط.