بغداد ـ زيد الزبيدي
تعبّر الخلافات الحادّة بين الكتل البرلمانيّة العراقيّة بشأن الموازنة العامّة لعام 2008 وقانون مجالس المحافظات، اللذين أُجّل التصويت عليهما للمرّة الرابعة إلى جلسة اليوم، عن غياب أدنى انسجام بين المشاركين في العمليّة السياسيّة. لكن يبدو أنّ الأمور سائرة في اتجاه تأمين الغالبية المطلوبة من الأصوات الضرورية لإقرار نسبة 17 في المئة من الموازنة التي يطالب التحالف الكردستاني بها لإقليمه، وهي النسبة التي أقرّت في عهد الحاكم الأميركي السابق بول بريمر.
وصعد الدخان الأبيض إثر إعلان النائب الكردي، سعدي البرزنشي، عقب تأجيل التصويت في جلسة الأمس، عن أنّ اتفاقاً أُبرم بين الكتل العربيّة والكرديّة لإعطاء الـ17 في المئة للإقليم الكردي، على أن تجري مراجعة هذه النسبة في العام المقبل. لكن من المستبعد أن يضمّ هذا الاتفاق جميع الكتل العربيّة، وفي مقدّمتها الكتلة الصدرية؛ فأعضاء العديد من الكتل العربية والتركمانية في البرلمان، يرون أنّ حصّة الأكراد من مجمل الاعتمادات المالية لعام 2008، يجب ألّا تزيد على 12 في المئة، وذلك حسب مؤشّرات البطاقة التموينية التي اعتمدت في الانتخابات، والمعمول بها في كلّ أنحاء العراق كسجل إحصائي رسمي للسكان منذ عام 1990.
ومع وجود تشكيك في البطاقة التموينيّة، تبرز الحاجة إلى تعداد سكّاني جديد، إلّا أنّ المشكلة تكمن في استحالة إقرار موازنة عام 2008 بعد سنة أو أكثر في انتظار هذا التعداد، إذ لا مناخات مناسبة لإجراء الإحصاء في ظلّ الظروف الأمنية الحالية، كما أن احتمالات التلاعب بالنتائج في ظلّ الانفلات الإداري أكثر من واردة.
وظهر كأنّ النواب الصدريّين استشعروا بوجود اتفاق بين الأكراد وعرب «الائتلاف العراقي الموحّد» لتمرير الموازنة بما يرضي التحالف الكردستاني؛ فقبل ساعات من كلام البرزنشي، أكّد النائب عن الكتلة الصدرية، أحمد المسعودي، بأن كتلته لن تصوّت على التخصيصات المالية المقترحة لإقليم كردستان، موضحاً أن «هناك اتفاقاً بين التحالف الكردستاني والمجلس الإسلامي الأعلى يتضمن التصويت على نسبة 17 في المئة، في مقابل دعم الأكراد لحليفهم (المجلس الأعلى) في موضوع قانون مجالس المحافظات».
ويتبنّى المجلس الإسلامي الأعلى مشروع قانون محافظات يعطي استقلالية شبه مطلقة لمجالس المحافظات وللمحافظين، ما قد يحوّل المحافظات غير المنتظمة فى إقليم، إلى شبه أقاليم مستقلّة. ونظراً إلى أنّ المجلس يسيطر على معظم محافظات الوسط والجنوب، فيرى أنّ المكسب الذي يناله من تعديل المشروع المقدّم، والذي من شأنه التخفيف من هذه الصلاحيات، وبالتالي إبقاء الوضع على حاله، كبيرة جدّاً، لذلك يفعل كلّ شيء لكي لا يُقرّ قانون جديد يقلّص من استقلالية المحافظين ومجالسهم. والتسوية المقترحة لا تؤثّر سلباً على الأكراد، إذ إنّ كردستان العراق إقليم قائم بذاته، لا علاقة له بقانون المحافظات. بذلك، يقدّم الأكراد خدمة مجّانية للمجلس الأعلى بتعطيله التصويت البرلماني على النصّ الجديد من القانون، في المقابل، ينالون مرادهم الرئيسي المتمثّل بنسبة 17 في المئة من الموازنة العامّة. لكن مسألة تخصيصات إقليم كردستان، والنسب المئوية المقترحة، ليست المحور الأساسي في نظر المراقبين خارج قبة البرلمان. إذ يرى عدد من هؤلاء، أنّ النسبة التي يطالب بها الأكراد يجب أن تخصّص للمهاجرين العراقيّين، الذين يفوق عددهم سكّان الإقليم. كما سبق للنائب المستقل مهدي الحافظ ومجموعة أخرى من النوّاب، أن قدّموا طرحاً يرون فيه أن أي مناقشة للموازنة، يجب أن تقترن بمعرفة مصير موازنة السنة السابقة التي هي ضخمة، وتقارب 40 مليار دولار.
ويربط العديد من المراقبين بين الحريق الذي التهم منذ فترة «وثائق حسّاسة» في البنك المركزي في بغداد، وبين مناقشات الموازنة العامة والمطالبة بكشوف عن الحسابات العامّة للعام الماضي والذي سبقه.