strong>إذا صحَّ تقرير صحيفة «واشنطن بوست» أمس عن تعزيز المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي لقبضته على إيران عبر دعم جيل جديد من القادة يعمل على تنحية الحرس القديم، فإن مستقبل الجمهورية الإسلامية، وهي على أعتاب العقد الثالث من عمرها، قد يحمل الكثير من المفاجآت التي قد لا تكون في مصلحة «أعداء الثورة»
كانت الذكرى التاسعة والعشرون لانطلاق الثورة الإسلامية في إيران أمس مناسبة لتجديد القيادة والشعب الإيراني تمسكهما بالبرنامجين النووي والفضائي لبلادهما، لكن تجاذبات المشهد السياسي الداخلي كان لها نصيبها من خطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي هاجم معارضيه «النووين»، معتبراً أنهم لا ينتمون إلى الأمة الإيرانية.
وأمام الحشود الكبيرة التي تجمعت في ساحة آزادي «الحرية»، أعلن الرئيس الإيراني أن طهران ستطلق صاروخين جديدين إلى الفضاء لأغراض الاستكشاف والأبحاث العلمية تمهيداً لإطلاق أول قمر اصطناعي لها في الصيف المقبل، معتبراً أنّ «الوجود في الفضاء هو حاجة كل أمة تريد أن تحظى بحياة مزدهرة». وأوضح «اليوم نحن نملك كل الأقسام الأساسية التي نحتاج إليها لإطلاق قمرنا الاصطناعي إلى الفضاء، ونحن بنينا كل هذه الأقسام بأنفسنا».
وأضاف نجاد أن «المعدات التي وضعت على رأس الصاروخ ستعمل على جمع المعلومات عن تحديد المسار والضغط والرياح ودرجة الحرارة والأوضاع الجغرافية، لتعود وترسلها إلى الأرض»، وهي ستسهم جميعها في المهمة الأساسية أي إرسال القمر الاصطناعي. وعن التهديدات بفرض عقوبات جديدة على بلاده في مجلس الأمن، رأى نجاد أنّ «أعداء الأمّة الإيرانية لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً سوى اللعب بقصاصات الورق واللجوء إلى الدعاية»، محذراً القوى الكبرى من أنّ فرض قرار عقوبات جديد سيكون بمثابة التصويت ضدّ صدقيتهم.
وفي أجواء الانتخابات التشريعية المرتقبة في 14 آذار، وجّه نجاد انتقادات عنيفة إلى معارضيه في الملف النووي، قائلًا «للأسف إن البعض يفكر أن البلاد ملك لهم ويريدون السيطرة على كل شيء»، مضيفاً «في المسألة النووية إن البعض اتصل بالعدو وشجعوه وزودوه بمعلومات (سرية)». وتابع «لا أعتقد أن هؤلاء الناس ينتمون إلى الأمة الإيرانية. وهم لن يفلتوا من قبضة القضاء».
وفي هذه الأجواء، هتف آلاف المتظاهرين في طهران وغيرها من المدن بشعارات تؤكد تمسكهم بـ«الحق النووي» ومعاداة أميركا وإسرائيل. وتميّزت التظاهرات هذا العام بإطلاق البعض هتافات «الموت لفرنسا».
وفي وقت لاحق أمس، أعربت باريس عن أسفها لأن الرئيس الإيراني «لا يبدي أدنى بادرة انفتاح على حل تفاوضي» لملف أنشطة بلاده النووية الحساسة، مؤكدة مجدّداً أن العقوبات الدولية «تؤتي ثمارها».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، باسكال أدرياني للصحافيين، «نأسف لهذه التصريحات الجديدة التي لا يبدي فيها الرئيس الإيراني أي إشارة إلى الانفتاح على حل تفاوضي بشأن الأنشطة النووية الحساسة لبلاده».
وفي فيينا، أفاد دبلوماسيون بأن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، قد يؤجل لبضعة أيام نشر تقرير متوقع صدوره نحو 20 شباط عن البرنامج النووي الإيراني.
وقال دبلوماسي غربي قريب من الملف لوكالة «فرانس برس» «هناك مخاوف من أن يعلن (البرادعي) أن غالبية النقاط العالقة قد حلت فيما الشعور السائد هو أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق». ورأى أن هذه الخلافات يمكن أن تؤدي إلى تأجيل نشر التقرير «إلى 22 شباط وربما إلى أبعد من ذلك».
من جهة أخرى، قالت مجموعة من السياسيين والمحللين في طهران إن جيلاً شاباً من القادة الجدد المدعوم من مرشد الثورة علي خامنئي بدأ يمسك بزمام السلطات في إيران ويقصي طبقة الملالي التي أتت إلى الحكم مع الإمام الخميني عام 1979، معتبرة أن هذا الحراك يؤدي إلى تدعيم مواقع نجاد.
وقالت صحيفة «واشنطن بوست» أمس إنه بعد نحو 30 عاماً على إسقاط أتباع الإمام الخميني لنظام الشاه المدعوم من الولايات المتحدة، فإن «جيلاً جديداً من السياسيين ينحي حالياً هؤلاء الملالي، الذين أصبح العديد منهم مؤيداً لعلاقات أفضل مع الغرب ولخطوات تدريجية باتجاه الديموقراطية».
وأوضحت أن هذا الجيل الجديد من القادة يتكّون من «قادة عسكريين سابقين ومخرجي أفلام ورؤساء بلديات، ومعظمهم أصغر من سن الخمسين وقليل منهم هم من رجال الدين»، مضيفة أن هؤلاء «يتعهدون بتنفيذ تعهدات الثورة وبوضع إيران في مصاف الدول القائدة».
وأردفت الصحيفة أن «هذا الجيل الصاعد يتمتع بدعم المرشد الأعلى للنظام الإيراني آية الله علي خامنئي الذي يدعم السياسات الخارجية والنووية الصارمة للحكومة» الحالية.
ونسبت الصحيفة الأميركية إلى محللين أن «غياب رجال الدين من أعضاء الحرس القديم من مؤسسات السلطة الأخرى (غير مجلس الشورى) في إيران يعني أن هؤلاء سيجدون صعوبة في تحقيق انتصار انتخابي».
ونقلت في هذا الإطار عن رجل الدين والسياسي المخضرم رسول منتجابنيا قوله إن «المقبلين الجدد (السياسيين) يدفعون أتباع الإمام (الخميني) إلى خارج مراكز السلطة». وأضاف منتجابنيا، العضو في حزب الثقة الوطني الإصلاحي، «يجري التعامل معنا بقلة وفاء».
من ناحية أخرى، لفتت الصحيفة إلى أن المحللين الإيرانيين يرون أن «تطهير رجال الدين هؤلاء (من مراكز السلطة) يقوِّي الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يعدّ أبرز قادة هذا الجيل الجديد». وأضافوا أن إقصاء رجال الدين هؤلاء «سيؤدي إلى (وجود) طبقة سياسية صغيرة أشدّ ولاء للمرشد الأعلى وأقل احتمالاً للانشقاقات الصغيرة»، أي أكثر تماسكاً.
(مهر، أرنا، أ ب، أ ف ب، يو بي آي)