أرنست خوري
يوم السبت الماضي، طويت صفحة معركة الحجاب الإسلامي في الجامعات التركيّة، حتّى إشعار آخر؛ برلمانياً، عُدّل الدستور ورُفع الحظر عن الحجاب، وباتت المحكمة الدستوريّة تنتظر موعد الـ26 من الشهر الجاري لنشر التعديل في الجريدة الرسميّة، لكي تنظر في النقض الذي من المحتّم أن يقدّمه حزب الشعب الجمهوري. وبعدها، وإذا رفضت المحكمة قرار النوّاب، فالاستفتاء الشعبي سيثبّته بما أنّ على الأقل، 75 في المئة من المواطنين يؤيّدونه، وعندها، يصبح موضوع تعديل المادّة 17 من قانون التعليم العالي، مسألة أيّام.
لكن هل تغيب الجامعات عن صدارة الأحداث بعد طيّ صفحة الحجاب؟ لا يبدو الأمر كذلك. فبعد يومين فقط من جلسة السبت، بدأت الإشارات ترتفع من أوساط حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، تمهيداً لإعادة النقاش السياسي إلى... الجامعات. نقاش سيتركّز هذه المرّة حول إلغاء الحظر عن إنشاء الجامعات الخاصّة، في هذا البلد حيث تمتلك المؤسّسة العسكريّة نفوذاً قويّاً في كل القطاعات، حتّى في التعليم العالي الذي لا يزال المصنع الرئيسي لتخريج الأجيال «الأتاتوركيّة» من خلال المناهج الدراسيّة التي تظلّلها المفاهيم والمبادئ القوميّة. أمّا أداة مراقبة سير عمل الجامعات وتأسيس فروعها، فمهمّة محصورة بمجلس التعليم الأعلى، المسؤول عن المناهج ومستوى الأساتذة ورخص الجامعات وسلوك الطلاب... بصلاحيّات هائلة. حتّى إنّ لرئيس أركان الجيش التركي، صلاحيّة تعيين أحد أعضاء المجلس المذكور، إلى جانب الأعضاء الـ22 الآخرين الذين يعيّنون من الحكومة ورابطة الأساتذة ورئيس الجمهوريّة.
ويرى قوميّو تركيا أنّ نفوذهم يبقى قويّاً ما دامت إدارة الجامعات ومناهجها بين أيديهم. وتقدّم تركيا في هذا المجال، تجربة فريدة من حيث نظرة المؤسّسة العلمانية لمهمّة التعليم. نظرة تلامس حدّ ما كانت الأنظمة الفاشيّة تتبنّاه في فلسفتها الشوفينية. فمثلاً، تنصّ المادّتان 4 و5 للنظام الداخلي لمجلس التعليم العالي، على أنّ الهدف من التعليم الجامعي ومن عمل مجلس التعليم، هو «تعليم الطلاب الوفاء للقيم القومية والوطنية والإصلاحات التي أتى بها أتاتورك»، و«تعميق التقاليد القومية التركية والإصلاحيّة التي رسّخها أتاتورك». لكنّ الإسلاميّين في مطلبهم فتح الباب أمام إنشاء جامعات خاصّة جديدة، لديهم أسباب موجبة مقنعة؛ فهم يرون أنّ بلادهم، بمساحة تزيد على 779.452 كيلومتراً مربعاً، يعيش عليها أكثر من 70 مليون مواطن، فيها عدد قليل جدّاً من الجامعات (110 أكثر من ثلثيها رسميّ)، ويتمثّل منهم في مجلس التعليم أساتذة يعلّمون في 53 جامعة رسمية وآخرون يحاضرون في 19 خاصّة. والجامعات الخاصّة الموجودة، لا يحقّ لها قانونياً، إنشاء كليات علوم وآداب. والشروط المفروضة عليها للحصول على رخصة قانونيّة معقّدة إلى درجة الاستحالة.
أمام هذا الوضع، ارتأى «العدالة والتنمية» اختيار رئيس البرلمان، كوكسال توبتان، الذي كان وزيراً للتعليم قبل 18 سنة، ليطلق «الحملة» لإلغاء «شبه الحظر» على إنشاء جامعات خاصّة. رئيس المجلس كان أكثر من واضح في التعبير عن الآتي مستقبلاً من حزبه: «يجب أن نعدّل الدستور للسماح بتأسيس الجامعات الخاصّة». ونقلت صحيفة «زمان» المقرّبة من الحزب الحاكم، عن نائب آخر قوله إنّ السبب الحقيقي للحظر المفروض على الجامعات الخاصّة هو «خوف بعض الناس من أن يزيد عدد المثقّفين في البلاد، والدليل أنّ هؤلاء الأشخاص يرفضون لأسباب ايديولوجيّة فتح الجامعات الجديدة».
الأهمّ أنّ الحزب الإسلامي مدعوم من فئة نافذة جدّاً في المجتمع التركي، وهي طبقة رجال الأعمال الذين ينتظرون الفرصة لتأسيس جامعات باعتبارها «أعمالاً» جديدة. وفي هذا السياق، أكّد رئيس لجنة الأساتذة في الجامعات الخاصّة، رستم إييبوغلو، أنّ القطاع الخاصّ مستعدّ لفتح 100 جامعة خاصّة جديدة فور السماح بذلك!