معمر عطوي
«إن كل من ينضم إلى صفوف الثورة سيكون في عداد الأحرار وسينعم بالحرية والأمان». بهذه الكلمات عبَّر مؤسس الثورة الإسلامية في إيران، الإمام الخميني، عن استعداده لاستقطاب جميع التيارات السياسية والجماعات الدينية والقومية التي تعيش في بلاده، إلى ثورته على النظام الشاهنشاهي الملكي، بزعامة محمد رضا بهلوي آنذاك، قبل سنوات من نجاحها.
وكان من الطبيعي انخراط تيارات غير إسلامية، مثل التيار الشيوعي العريض الذي كان «حزب توده» أكبر تنظيماته، وأخرى قومية، بهدف وضع حد لطغيان الشاه الذي حوّل البلاد إلى قاعدة أميركية في الخليج، وحكم العباد بالحديد والنار عبر جهازه الاستخباري «السافاك»، الذي بلغت قدرته مصاف الأجهزة الاستخبارية العالمية، لجهة ملاحقة معارضي الملكية والداعين إلى التغيير.
قبل 29 عاماً، كان المشهد الإيراني مختلفاً عما هو اليوم؛ فقد تحوّلت ثورة يقودها رجل دين عبر أشرطة تسجيلية من مقرِّه في نوفل لو شاتو بفرنسا، وتُحرّكها مجموعة من طلبة الحوزات الدينية، إلى ظاهرة فريدة انضم إليها كل المُتضرّرين من سياسة الملكية والحالمين بجمهورية ديموقراطية تُرسي أسس التعددية وتداول السلطة.
لكن على ما بدا بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة، أن حساب الحقل لم يُطابق حساب البيدر. فالحريات التي وعد بها الإمام أعوانه في الثورة التي غيّرت وجه المنطقة، سرعان ما تلاشت، وأصبح اليساريون، وفي مقدّمهم حزب توده، خارج المشهد السياسي، تمهيداً لحظره ونفي قادته وأعضائه. وهذا الأمر حدث مع جميع الأحزاب التي لا تتبنى النهج الإسلامي، ولا سيما الشيعي منه.
والحديث عن الحريات في إيران لا يزال محل جدل واسع، رغم ما تُسطّره أقلام المنظّرين لإيران ــــ الثورة وإيران ــــ الدولة. حريات تقتصر على كل نشاط أو اجتهاد من داخل المنظومة الإسلامية نفسها.
لعل هذه الصيغة، التي يستطيع من خلالها الآن أكثر من عشرين حزباً إصلاحياً الائتلاف في جبهة موحدة في وجه المحافظين، الذين يُؤلّفون أيضاً مجموعة من الأحزاب الأصولية، تبرّئ النظام من تهمة «نظام الحزب الواحد»، وتعطي المسرح السياسي مساحة أوسع قد يستطيع من خلالها من هم خارج إطار الحرس القديم أو الملالي، تبوّء مراكز مهمة في مؤسسات الدولة وعلى رأس السلطة، على غرار الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد.
غير أن بيت القصيد في ذلك كله هو أن وعد الإمام للذين انضموا إلى الثورة بمنحهم الحرية والأمان، كان شعاراً لم يستمر، بل على العكس، شهد العام التاسع والعشرين من هذه الثورة أكبر حملة اعتقالات لمعارضي النظام والمطالبين بتوسيع هامش الحريات الشخصية. أماّ الصحافة، فكانت أبرز ضحية من ضحايا «حرية الاستثناءات» التي جاءت بها الثورة.