القاهرة ـ وائل عبد الفتاح
على استحياء، طالبت ١١ منظمة قبطية معاملة أقباط مصر على أنهم «أقلّية»، وذلك خلال مؤتمر أقيم في القاهرة قبل أيام قليلة بهدف التوافق بين «أقباط المهجر» و «المجتمع السياسي» في مصر.
المؤتمر عُقِدَ برعاية جهات عليا رداً على مؤتمرات أخرى أقيمت أخيراً برعاية شخصيات قبطية حققت نجاحات مالية في الخارج مثل عدلي أبادير وكميل حليم، المرتبط بمؤسسات نافذة في الولايات المتحدة.
وكانت الأجهزة المصرية قد نجحت في اختراق جبهة المهجر، التي سبّبت صداعاً قوياً لرأس النظام منذ أن قويت منظمات المسيحيين المصريين المهاجرين وتحولَّت إلى مؤسسات لها قوة تثير زوابع خلال الزيارات الموسمية للرئيس الراحل أنور السادات (خاصة خلال أزماته مع البابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية) ومن بعده الرئيس الحالي محمد حسني مبارك.
وللأجهزة المصرية الآن علاقات بوجوه بارزة في أقباط المهجر، لعل أشهرهم مايكل منير الذي يحظى باستقبال مسؤولين في الحزب الوطني الحاكم، وتُفرد له مساحات واسعة في أجهزة إعلام ترتبط ماكينتها بأجهزة النظام.
ويبدو أن المؤتمر، الذي أقامته جماعات محلية تطالب بحقوق الأقباط، وتعمل تحت سيطرة الأجهزة نفسها، قد فشل، ولم يخرج منه إلا المطالبة الخافتة بمعاملة الأقباط كأقلية. وهو ما يعني حصولهم على «تمثيل نسبي» في المناصب الرسمية ومقاعد البرلمان.
هذه المطالبة الخافتة خطيرة، لأنها تعلن للمرة الأولى ما يقال في جلسات مغلقة أو يُلمح بها بين حين وآخر كحل لمشكلة «الطائفية» النائمة تحت الرماد. لكنه حل مرفوض على المستوى العلني ومعمول به على مستوى العرف.
هذا الرفض ينبع من مبدأ أن «الكوتة» (أي الحصة الممنوحة للأقليات) ضد مفهوم «الوحدة الوطنية»، وهو مفهوم قديم يرتبط بأفكار ظهرت أول القرن الماضي حين قدَّمت ثورة ١٩١٩ صورة عن العلاقة بين المسلمين والأقباط باعتبارهما عنصري الأمة، غير أن المفهوم استمر. ولم يتطور وينتقل إلى مفاهيم الدولة الحديثة، دولة المواطنية لا الطوائف.
ورغم أن الدولة تُصِّر الآن على أن الأقباط ليسوا أقلية، وترى أن مسألة «الوحدة الوطنية» من أساسيات الأمن القومي، بيد أنها تتعامل مع الأقباط على أنهم أقلية، هم أولاد البطة السوداء، تمنحهم الدولة العطايا عن طريق البابا، الذي يتحوَّل بذلك من شخصية روحية إلى زعيم سياسي له مطالب ونصيب في السلطة.
ولم تعد الدولة هي الحامية للأقباط، بل تركت المهمة للبابا والكهنة؛ فالتعداد الحقيقي للأقباط ليس موجوداً الّا في الكنيسة تبالغ فيه منظمات أقباط المهجر، وتقلل منه سجلات الدولة، بينما يتسرب من بين تصريحات مسؤولين في النظام، مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب الدكتور مصطفى الفقي أن عددهم ١٠ ملايين.
يقول رجل قبطي إنه في الماضي لم يكن من الضروري أن تعلن هويتك الدينية، لكن الآن «أسماؤنا أصبحت تدل على أننا مسيحيون...رغم أننا في الخمسينيات والستينيات لم يكن بالإمكان معرفة دين شخص من اسمه».
يطالب الأقباط الآن بنصيب أولاد البطة السوداء، لا بالعدل والمواطنة الكاملة. وهذه وحدها علامة انهيار، بل إن أوساط المجتمع المدني هلَّلت لحكم المحكمة الإدارية العليا أول من أمس في قضية «العائدين للمسيحية» وهم مواطنون غيّروا ديانتهم من المسيحية الى الإسلام فاعترفت بهم وزارة الداخلية وسمحت لهم بالتغيير في خانة الديانة، لكنهم حين قرروا العودة إلى المسيحية رفضت الداخلية، فأقاموا دعوى قضائية لتحكم بعدها محكمة القضاء الإداري بعدم أحقيتهم بالتغيير إلى المسيحية في البطاقة الشخصية.
لكن المحكمة الإدارية العليا ألغت الحكم وألزمت وزارة الداخلية ومصلحة الأحوال المدينة استخراج بطاقات شخصية تثبت أنهم مسيحيون.
يقول مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، «إن قرار المحكمة يمثِّل نهاية سعيدة لمعركة قضائية عبثية لم يكن لها أي داع، فلولا الإصرار العنيد لمسؤولي وزارة الداخلية على إعلاء تعصّبهم فوق حكم القانون لما كانت هناك ضرورة للجوء إلى المحكمة من الأساس».
ويقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومان رايتس ووتش»، جو ستورك إنه «لا يصح للدولة أن تلعب دور شرطي المرور بين الديانات المختلفة».
ويُعَدُّ الفرح بحكم يعود إلى بديهية حق الاعتقاد دليل آخر على أن في مصر أكثر من كيان، كل منها يسير بغريزة الانتصار في معركة تقسيم تركة الدولة المنهارة.