strong>ربى أبو عمو
أسبوعان مرّا على فوز بوريس تاديتش، الشخصية الموالية للغرب، بالرئاسة الصربية. هذا المنصب الشكلي، لم يتمكّن حتى الآن من التعبير عن نفسه بصورة حقيقية، في ظل بقائه مكبّل اليدين حيال التقدّم في عملية انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، رغم دعم الغرب له. يبدو أنه يعيش حالاً من الضياع والانصياع في ظل الثقل السياسي الذي يمارسه رئيس الوزراء فويسلاف كوستونيتشا، مع إصرار إقليم كوسوفو على إعلان الاستقلال الأحادي الأحد المقبل، رافضاً فكرة مقايضة الاستقلال بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
العد العكسي بدأ، ورغم تعددية الاحتمالات، فإنها تصبّ في خانة واحدة تتمثّل في النصر الألباني والتصعيد الصربي. سلسلة من الإجراءات تستعدّ لها صربيا لمواجهة إعلان الاستقلال، الذي بات بالنسبة لها مسألة إثبات وجود وتحدٍّ للمجتمع الدولي بأكمله.
تقدّمت بلغراد بطلب رسمي لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة خطة إعلان الإقليم الاستقلال قريباً، ليأتيها الدعم الروسي من خلال إعلان المفوّض في الخارجية الروسية المكلّف متابعة شؤون البلقان، ألكسندر بوتسان كارتشنكو، تأييده الطلب الصربي.
وفي حال موافقة مجلس الأمن على عقد جلسة قريبة، ستتوجه صربيا إلى المحفل الدولي مسلحة بالمستندات الداعمة لقرار المجلس الرقم 1244، الذي اعتمد في نهاية الحرب في كوسوفو خلال عام 1999 ونصّ على منح «حكم ذاتي واسع» للإقليم تحت السيادة الصربية وتأليف بعثة للسلام بقيادة الأمم المتحدة وحلف شمالي الأطلسي، إضافة إلى «الفيتو» الروسي المضمون سلفاً.
وبالعودة إلى «حوض الأسماك» الذي يقطنه كل من الرئيس الصربي ورئيس وزرائه، وتحوّل الأخير إلى سمكة قرش، أقلّه لناحية التصعيد الخطابي، فإن هذه السمكة قادرة على ابتلاع كل طموحات تاديتش بالانفتاح الأوروبي، واللعب على وتر زعزعة الاستقرار بكل الوسائل المتاحة، كأن صربيا لم يعد لديها شيء لتخسره أكثر من الإقليم.
ولإدراك تاديتش حساسية موقفه بين رفضه استقلال كوسوفو، الذي يرافق إصراره على انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، فقد أعلن إلى جانب كوستونيتشا الاثنين الماضي، أن صربيا ستبطل أي إعلان لاستقلال كوسوفو، وذلك بعيد لقائهما رئيس البرلمان أوليفر دوليتش للتباحث في «التهديد الحقيقي الذي يمثله الإعلان غير المشروع لاستقلال الإقليم».
كذلك أعلن تاديتش الجمعة الماضي، على هامش المؤتمر الأمني الدولي في ميونيخ، أن بلغراد سوف تلجأ، من بين الإجراءات التي ستتخذها، إلى التقدم بدعاوى أمام المحاكم الدولية والوطنية لمواجهة استقلال هذا الإقليم.
هذا ليس إلاّ جزءاً من الخطّّة الصربية التي يجري الإعداد لها. إذ إن من المتوقع أن تلجأ صربيا إلى إعادة النظر في العلاقات مع الدول التي تعترف باستقلال كوسوفو، وصولاً إلى حدّ قطعها. يضاف إلى ذلك احتمال تقسيم الإقليم، وانتشار أعمال العنف فيه، وحصول حركة هجرة كثيفة في صفوف الصرب من كوسوفو نحو صربيا.
ففي الإقليم، تشرف إدارة موازية لإدارة كوسوفو بدعم من بلغراد، وتضم بلديات وشرطة وقضاة وغيرهم، على شؤون الجيوب الصربية في الإقليم، والتي تحتل المنطقته الشمالية الواقعة عند الحدود الإدارية مع صربيا، حيث يعيش 40 الفاً من صرب كوسوفو البالغ عددهم نحو مئة ألف.
وفي ردّ فعل أوليّ، قال أليكس أندرسون، من مجموعة الأزمات الدولية، إن «المسؤولين الصرب حاولوا بث رسالة تشير إلى أنهم لا يعتزمون الوقوف في وجه إعلان الاستقلال من طرف واحد بعنف على الأرض، بل سيتجلّى ردّهم في تعزيز هيئاتهم وقواتهم لتكون موازية للألبان».
وتتمثّل المخاوف من حصول عمليات استفزازية بين الصرب والألبان داخل الإقليم. وكانت قد انطلقت أعمال عنف معادية للصرب في آذار من عام 2004.
وعن احتمال حدوث هجرة صربية كثيفة، تقضي تعليمات قادة الصرب ببقاء أترابهم في الإقليم، وذلك رغم مخاوف من حصول ملاحقات للصرب من جانب الألبان. أما إذا لم توفّر لهم الحماية، فقد يرحلون مؤقتاً.
ويبقى احتمال بقاء الوضع على حاله، رغم صعوبة تحقّق هذا السيناريو مع تبلور موجة التشدّد الصربي، والتي يتم حقنها على مستوى القادة السياسيين.
مصدر قريب من الأمم المتحدة رأى أن الوضع في كوسوفو سيكون على شكل «دولة ضمن الدولة». هذا ربما إذا تجرّع الجانبان حبوب التعايش المشترك وتناسي الخلافات والحروب العرقية التاريخية، مع إعلان رئيس برلمان كوسوفو ياكوب كراسنيجي إقراره غداً إجراءات قانونية تمهيداً للاستقلال. أما إذا أراد الألبان الانتقام بواسطة الاستقلال والأعمال الاستفزازية، وبالتالي إثارة حساسية الصرب، فسيكون الإقليم وأمّه التاريخية أمام حلقة من صراع طويل بين أسماك القرش.