حيفا ــ فراس خطيب
بعد 26 عاماً على القرار الإسرائيلي بضم الجولان السوري المحتل إلى الدولة العبرية، ورغم مخططات التهويد العمرانية والثقافية والاقتصادية، لا يزال الجولانيون مصرّين على رفض الاحتلال، متمسكين بالمقاومة حتى التحرير

لم يمنع برد الجولان السوري المحتل وثلوجه الجولانيين على طرفي الخط الحدودي، من إحياء الذكرى السادسة والعشرين لانتفاضة شباط وإضراب عام 1982، حين هبّوا ضد قرار ضمهم للدولة العبرية، رافضين الوصاية الإسرائيلية، ومشعلين النار بـ«الهوية الزرقاء».
تجمّع أهالي القرى المحتلة في ساحة مجدل شمس، على مقربة من النصب التذكاري للمناضل سلطان باشا الأطرش، حيث انطلقت المسيرة. الجميع شارك فيها. شيوخ عاصروا الحرب والاحتلال والإضراب، وشباب وأطفال ولدوا بعد الاحتلال، ينتمون إلى «حلم الاستقلال». كلهم حملوا شعارات، وأطلقوا هتافات وأغاني منددة بالاحتلال، مطالبين بـ«تحرير آخر شبر».
ووصلت المسيرة إلى وادي الصيحات على خط وقف إطلاق النار. لا يزال المكان علامة شاهدة على التواصل السوري ــــ السوري، حيث اعتاد السوريون على مدى سنوات الاحتلال التواصل من هناك مع أقرباء لهم على الطرف الآخر عبر مكبرات الصوت.
صوت عالٍ وصورة غير واضحة، وملامح ناس ينتصرون على العزلة. للوادي رونقه التاريخي، خليط من مأساة الذكرى وأمل الحاضر. المأساة تكمن في الحاجز الفاصل بين أفراد العائلة الواحدة والشتات، لكن الأمل يكسرها بنبرة صوت قوية أو متعبة يوحدها حلم التحرر.
وذكرى الإضراب بالنسبة إلى الجولانيين تمثّل إعلان موقف واضح، ورفضاً للوصاية الإسرائيلية. ففي الرابع عشر من كانون الأول عام 1981، احتجّ الجولانيون على القرار الإسرائيلي الجائر بضم أرضهم إلى الدولة العبرية. واتخذ الجولانيون خطوات مناهضة للقرار، وأعلنوا في الرابع عشر من شباط عام 1982 الإضراب العام، تخللته اعتقالات واسعة ومحاولات إسرائيلية لكسره. حاول الإسرائيليون فرض الهوية على الجولانيين، لكن كل المخططات باءت بالفشل، وأحرق الجولانيون الهويات الزرقاء. واستمر الإضراب أكثر من خمسة أشهر، وكرّس موقفاً لم يتزحزح رغم الوقت.
إحياء الذكرى بدأ بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، ومن بعده النشيد الوطني السوري.
ألقى سليمان عماشة كلمة باسم «أبناء الجولان»، أكد من خلالها الثوابت الوطنية لأبناء الجولان. ورفض تصريح النائب وليد جنبلاط بشأن «الهدنة مع إسرائيل» وموقفه من «المقاومة اللبنانية».
وشدّد المطران عطا لله حنا على «أمل التحرّر» في وجوه أبناء الجولان، داعياً الفلسطينيين إلى التوحد وتقوية الجبهة الداخلية «لمواجهة مخططات إسرائيل العدوانية». وقال النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة،‏ إن «ما يفصل بيننا وبين الشطر المحرر من الوطن سوريا هو هذا الشريط الزائل حتماً، لأن الاحتلال باطل مهما طال، وكل انعكاساته وتوابعه زائلة».
ووجّه الجولانيون برقية تعزية إلى المقاومة اللبنانية، منددين باغتيال عماد مغنية في دمشق، ومعزّين المقاومة بفقدانه. ومن معتقل هداريم، بعث عميد الأسرى اللبنانيين، سمير القنطار، رسالة تحية إلى الجولان، شدد فيها على «أن ليل الاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن وكبرت التضحيات، ويبقى علينا أن نكون أوفياء لكل من سبقنا من أجدادنا الذين لم يهنوا يوماً، وكانوا حماة الثغور. علينا أن نكون دائماً أوفياء لأنفسنا وضمائرنا وانتمائنا، حتى لو كانت كل الظروف التي تحيط بنا قاسية ومؤلمة».
وتابع القنطار «يجب ألا يتسلل اليأس إلى نفوسنا، وأن نكون دائماً متسلّحين بالثقة بأن المستقبل القادم سيحمل في طيّاته بشائر الحرية والتحرر. كل التحية لكم ومن خلالكم إلى سوريا الصامدة الصابرة في وجه كل الرياح العاتية، ودائماً أنا على ثقة بأن دمشق بوابة العروبة والممانعة والحرية القادمة».