باريس ــ بسّام الطيارة
يعود وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى فلسطين المحتلّة اليوم، للمرّة الثالثة في أقلّ من 9 أشهر. وبحسب مصادر مطّلعة في وزارة الخارجية، سيكون هدف الزيارة الأوّل «الاطّلاع على حالة سير المفاوضات» بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين ومتابعة ما نُفِّذ من تعهّدات قُطعَت في مؤتمر «الدول المانحة» في باريس (كانون الأوّل الماضي)، إضافة إلى «إمرار رسائل لكلا الفريقين» بشأن ضرورة العمل على «الخطوات المؤلمة» الواجب عليهما أن يقوما بها للوصول إلى حلّ.
إلّا أنّ الواقع يشير إلى أنّ ثقة الفلسطينيّين بـ«قدرة الدكتور، كبيرة جداً»، وأنّ ثقة الإسرائيليين «محدوة»، إلى درجة أنهم لا يتورّعون عن توجيه «الرسائل المؤلمة» للدبلوماسية الفرنسية، ويمتنعون عن القيام بأيّة خطوة يمكن أن تفسَّر بأنّها «هدية لدبلوماسية ساركوزي وكوشنير»، رغم أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حمل راية صداقته لإسرائيل بشكل لم يسبقه إليه أي رئيس فرنسي منذ عهد الجنرال شارل ديغول.
وفي مضمار الرسائل المؤلمة، يتحدّث المقرّبون من الملفّ الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي، عن منع قوات الأمن الإسرائيلية منذ فترة، القنصل العام لفرنسا في القدس المحتلّة، ألان ريمي، من عبور نقطة مراقبة في بيت لحم خلال طريق عودته إلى القدس، ردّاً على تصريحات كوشنير عن «العقبة التي تمثّلها المستعمرات في طريق السلام».
وفي هذا الإطار، يعترف العديد من المسؤولين بأنّ «أرقاً دائماً» تعانيه باريس مع حاملي الجنسيّة الفرنسية من أصول فلسطينية، إذ «لا تعترف تل أبيب إلا بجنسيتهم الفلسطينية»، حسب ما تنشره وزارة الخارجية الفرنسية على موقعها. غير أنّ جميع جمعيّات حقوق الإنسان، تلفت إلى «سخافة هذا التبرير»، إذ إنّ «الفلسطينيّين لا جنسية لهم من الناحية القانونيّة، حيث إنّ لا دولة لهم». ويؤكّد هؤلاء خطورة هذه المقاربة الإسرائيليّة، إذ إنّها «تفرض تمييزاً عنصريّاً بين الفرنسيّين»، فتمنع بعضهم من استعمال مطار بن غوريون مثلاً.
من غير المرجَّح أن يتطرق كوشنير إلى هذا الموضوع خلال زيارته القصيرة. ورغم ذلك، فإنّه سوف يحاول «التطرّق إلى لبّ التنازلات المؤلمة» الواجب أن يقوم بها كلّ من الطرفين، وهي تدور حول ثلاثة محاور: «الانسحاب من الأراضي وحقّ العودة والقدس». ويشير المصدر الفرنسي إلى أنّ على الطرفين أن يقدما تنازلات في قضية القدس، بينما على إسرائيل أن تقدم تنازلاً في ما يتعلّق بمصادرة الأراضي، وعلى الفلسطينيين تقديم تنازل في ما يتعلق بحقّ العودة.
ويرى بعض المراقبين أن الدبلوماسية الفرنسية «تتقدّم ببطء، ولكن بقوة ثابتة» نحو المسار الأميركي في مقاربة الملفّ الفلسطيني، فالجميع بات يلاحظ تراجع الإشارات إلى القرارات الدولية. ويعقّب دبلوماسي عربي بأنّ ما تصفه باريس بأنّه «تنازل» من تل أبيب، هو في الواقع «انصياع لقرارات مجلس الأمن، وخصوصاً القرار ٢٤٢»، بينما المطلوب من الفلسطينيّين «مخالفة القرار ١٩٤» والتنازل عن حقّ العودة. ويشدّد المراقبون العرب للتغيّر الحاصل في الدبلوماسية الفرنسية، على استخدام ساركوزي للمفردات الأميركية للحلّ، مثل «وطنين قوميَّين»، في إشارة واضحة إلى تعبير «وطن قومي يهودي» الذي ورد في الخطاب الشهير للرئيس الأميركي جورج بوش، إضافة إلى ترداد أنه «على الفريقين إيجاد أرضية للتفاهم من دون تدخّل من القوى الأخرى».
ويكفي إلقاء نظرة على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجيّة الفرنسية، والنصائح الموجّهة إلى المسافرين لإسرائيل والأراضي المحتلّة، لملامسة مقدار ابتعادها عن مقاربتها المتوازنة، فهي تصف خطورة الوضع داخل «الخطّ الأخضر»، وتعداد عدد الصواريخ التي أطلقها الفلسطينيون على المستوطنات بتفصيل فائض (١٤٠٠ صاروخ خلال عام ٢٠٠٧ و٢١٤ صاروخاً ٢٠٨ قذيفة أطلقت فقط في الأسابيع الثلاثة الأولى من هذه السنة)، مع تعداد عدد القتلى في ديمونا مثلاً (٣ قتلى وعدد من الجرحى)، من دون ذكر لأيّ شهيد فلسطيني، فضلاً عن أنّ الحصار المفروض على غزّة، يُظهره موقع الوزارة كأنه «منع سفر»، إذ يقول: «غزّة مقفلة».
ويتخوّف بعض المراقبين من أن يحمل كوشنير معه ربطاً بين «تكييف مساعدات مؤتمر المانحين»، وهذه المقاربة الأميركيّة للحلّ، وخصوصاً أن مسؤولاً رفيعاً أكّد لـ«الأخبار»، أنّ «من المستبعد جدّاً أن يُعقَد «مؤتمر موسكو» في الشهر المقبل كما تمّ الاتفاق عليه في «أنابوليس».