strong>شهيرة سلّوم
• حزب بوتو يتقدّم الاستطلاعات... ومشرّف يخوض معركة البقاء

يتوجّه أكثر من ثمانين مليون ناخب باكستاني اليوم إلى صناديق الاقتراع، لاختيار برلمان فدرالي جديد وأعضاء المجالس الإقليمية الأربعة. انتخابات من شأنها أن تُعيد تشكيل السلطة وستكون مفصلية بالنسبة للرئيس برويز مشرّف ونظامه العسكري

تنشغل باكستان اليوم بانتخابات هي الأكثر حماوة منذ سنوات طويلة، ولا سيما أنها تجري في ظلّ انقسام حاد بين نظام الرئيس برويز مشرّف ومعارضيه العائدين من المنافي، إذ يتنافس فيها بشكل أساسي كل من حزب «الشعب»، الذي تزعمته الراحلة بنازير بوتو، وحزب «الرابطة الإسلامية» جناح نواز شريف، و«الرابطة الإسلامية» الحاكمة ـــــ جناح قائد أعظم الموالية لمشرف.
يخوض حزب «الشعب» الانتخابات وحيداً من دون زعيمته التي رحلت في عملية انتحارية أواخر كانون الأول الماضي، إلا أن ذلك لا يعني أن فرص فوزه تضاءلت بل على العكس، فدم بوتو الذي لم يبرد بعد سيكون المحرك الأساسي للناخب لتقديم صوته إلى حزبها، والسماح له بالاستئثار بحصة الأسد في البرلمان المقبل. إضافة إلى عامل غضب الناخب من الجنرال مشرف، بعدما تعب من حكم العسكر.
وترجّح استطلاعات الرأي تراجع شعبية مشرّف لمصلحة حزب «الشعب»، إذ أفادت الأسبوع الماضي بأن أكثر من نصف الباكستانيين سيصوتون لحزب بوتو، و22 في المئة لحزب نواز شريف، فيما حصل الحزب الحاكم على 14 في المئة فقط. وحمّل أكثر من 70 في المئة من المستطلَعين الرئيس الباكستاني مسؤولية اغتيال بوتو، وهو ما يشير إلى أن الجنرال كان الخاسر الأكبر من جراء رحيل الزعيمة المعارضة.
من جهته، يشارك نوّاز شريف في الانتخابات، رغم أنّه ليس مرشحاًً بعدما رفضت اللجنة الانتخابية أوراق ترشيحه بسبب التهم الموجّهة إليه منذ كان في السلطة. ولقد قرّر شريف خوض الانتخابات بعدما رفضت بوتو وحزبها من بعدها المقاطعة. وقد تسمح له نتائج الاقتراع بتحسين موقعه في البرلمان، لكن المنافسة القوية من حزب «الشعب» ستقف عائقاً أمام طموحه في رئاسة الحكومة للمرة الثالثة. كذلك يتهم الزعيم المعارض مشرف بأنه سيتلاعب بنتائج الاقتراع، لذلك توعّده «بفوضى شعبية تُطيحه من مكانه».
ورغم عودة حزبي بوتو وشريف عن قرار المقاطعة، الذي كان أساس تحركهما مع بداية عودتهما من المنفى، ولا سيما بعد استشعار تراجع شعبية مشرّف في أعقاب أحداث المسجد الأحمر والأزمة مع رئيس المحكمة العليا افتكار تشودري، إلا أن رجال انتفاضة «المعاطف السوداء»، في إشارة إلى المحامين، لم يتراجعوا عن موقفهم، متعهدين بمقاطعة التصويت ونصب خيام الاحتجاج أمام مراكز الاقتراع.
هل يحيا الجنرال؟
صحيح أن هذه الانتخابات لا تعني بالضرورة تجديد الشرعية لمشرف، إلا أنها قد تكون بداية النهاية لحكمه إذا تمكّنت المعارضة من إنشاء تحالف من أجل الانقضاض عليه. تحالف ينبغي أن يحصد في الانتخابات غالبية الثلثين في البرلمان الوطني، أي في مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية، عندها تطرح تعديلاً دستورياً وتخلع الجنرال السابق من منصبه.
هذا الافتراض هو ما يعزّز إمكان لجوء مشرف إلى تزوير الانتخابات. اتهامات انصبّت عليه من مختلف أطياف المعارضة، فهو يخوض اليوم معركة بقائه، لذلك سيستخدم الأسلحة المتاحة أمامه من أجل منع قوى المعارضة من تحقيق الفوز، أو بالأحرى الاستئثار بغالبية أعضاء البرلمان.
الواقع يدل على أن فوز حزب الرابطة الإسلامية التي تدعم مشرف هو أمر بعيد المنال. لكن حصول المعارضة على الغالبية المطلوبة، واستئثار حزب «الشعب» بالطليعة لا يعني خروجاً حتمياً لمشرف، ولا سيما أن الحزب لم يغلق أبواب المصالحة مع الجنرال الباكستاني، وقد يسعى بعد الانتخابات إلى تأليف حكومة والتحالف معه، وهو أمر تباركه واشنطن. ويقول المحلل السياسي في صحيفة «دايلي تايمز»، نجم سيثي، إن حزب «الشعب» «لن يجعل من مسألة إخراج مشرف أولوية له. إلا إذا صعّب الأخير عليهم الأمور».
واشنطن، الجندي المجهول، تشارك في هذه الانتخابات من وراء الستار، وتُراقب عن كثب ما يجري. تدخّلها الجدّي سيأتي بعد الانتخابات، لأن غالبية القوى السياسية المشاركة هي «قوى معتدلة» لا تعارض الحرب الأميركية على الإرهاب. وبعد الانتهاء من عملية الاقتراع، ستعمل من أجل إنهاء المهمة التي كانت قد بدأتها مع بوتو، التي سعت إلى إبرام اتفاق حول تقاسم السطة بينها وبين مشرف، تضمن من خلاله سلطة سياسية موالية لها ومؤسسة عسكرية تحمي الترسانة النووية وتحارب معها الإرهاب.
الأمن
تجري الانتخابات في ظل وضع أمني مهزوز، حال دون تنظيم المرشحين مسيرات انتخابية حاشدة واكتفوا بإلقاء الخطابات السياسية في حشود ضيقة، والاعتماد على سياسة «طرق الأبواب» من أجل استقطاب الناخبين. وعزّزت القوات الأمنية من وجودها حول مراكز الاقتراع، فيما أطلق مشرّف عسكره على الجبهة الشمالية الغربية. لكن رغم هذه الجهود، لم يستقرّ الوضع بتاتاً، واستهدف الإرهابيون هذه المرّة المهرجانات الانتخابية والمرشحين. وعشية الانتخابات، وقع أكثر من 46 قتيلاً و110 جرحى، عندما اقتحم انتحاري بسيارة مفخخة حشداً أمام مكتب أحد المرشحين المحليين لحزب «الشعب» الباكستاني في باراشينار القبلية، كذلك أحرق أنصار حزب «الشعب» المحال التجارية والمباني الرسمية. ورغم أعمال العنف، أكّد مشرّف بعد هذه الهجمات أن «أي محاولة لعرقلة العملية الديموقراطية أو الانتخابات ستُحبط».
إلا أن بعض المراقبين لا يستبعدون أن تُلغى الانتخابات في اللحظة الأخيرة، وإن حصلت فصدقيتها ستكون أمراً مشكوكاً فيه. ويراقب فريق من الاتحاد الأوروبي عملية الاقتراع، إضافة إلى الآلاف من الصحافيين الأجانب ومؤسسات المجتمع المدني، الا أنه جرى سحب بعثة مراقبة أميركية، ورفضت السلطات الباكستانية طلب المعارضة القيام بجولات مراقبة يوم الانتخاب.

المجالس الفدراليةوالديموقراطية الباكستانية لا تتضمن قوانين مساءلة، لكن رغم ذلك، أسقط رئيس البلاد العديد من الحكومات بالاستناد إلى المادة 58 من الدستور، التي تخوّله إقالة رئيس الحكومة وحلّ الجمعية الوطنية، الا أنّ التعديل الثلاثين مع التعديل السابع عشر قيّدا هذا الحق للرئيس.
تتمثل المقاطعات الباكستانية بالتساوي في مجلس الشيوخ (14 مقعداً لكل مقاطعة)، وينتخب ممثليها الممثِّلون عن المقاطعات، وتتمثل داخله الإدارة الفدرالية للمناطق القبلية (8 مقاعد) والعاصمة إسلام آباد (4 مقاعد). يتم تجديد نصف أعضاء مجلس الشيوخ كل ثلاث سنوات. ومنصب رئاسة مجلس الشيوخ هو الثاني بعد رئاسة البلاد بموجب الدستور، حيث يتولى رئاسة البلاد في حال شغور المنصب حتى انتخاب الرئيس الجديد، ولا يحق للأخير أن يحل مجلس الشيوخ.
أما نوّاب الجمعية العامة، فيتم انتخابهم من الناخبين الذين أتموا الثامنة عشرة من العمر. تتمثل فيه كل مقاطعة إضافة إلى العاصمة إسلام آباد (مقعدان) والإدارة الفدرالية للمناطق القبلية (12 مقعداً)، بحسب كثافة سكانها (بالوشستان 17 مقعداً، والمناطق الشمالية الغربية 43 مقعداً، والبنجاب 183 مقعداً، والسند 75 مقعداً). وولاية المجلس 5 سنوات، ما لم يصر إلى حلّه.
غالبية أعضاء الجمعية من المسلمين، لكن هناك نحو 5 في المئة من المقاعد مخصصة للأقليات (من المسيحيين والهندوس والسيخ). تحصل انتخابات الأقليات على قاعدة ناخبين منفصلين في الوقت نفسه الذي تجرى فيه الانتخابات العامة لاختيار الممثلين المسلمين. أما حصة النساء فهي 60 مقعداً، لكن لا يتم انتخابهن عبر الانتخابات العامة بل تختارهن أحزابهن بحسب النتيجة التي حصلن عليها في الانتخابات العامة.