strong> أرنست خوري
طُلِب من رئيس الحكومة التركيّة، رجب طيّب أردوغان، تقديم اعتذار لوسائل الإعلام التي هاجمها على خلفيّة توجيهها انتقادات حادّة له، اتّهمته فيها بممارسة «ديكتاتوريّة الأكثريّة» وبالسعي لتثبيت حكم إسلامي في تركيا عبر تشريع ارتداء الحجاب في الجامعات، فردّ بهجوم غير مسبوق عليها، خرج فيها عن هدوئه المعهود.
واختار أردوغان أن يأتي ردّه حرباً على جبهات عديدة، في خطوة تصدّرت عناوين معظم الصحف التركيّة. والبارز أنّ رئيس الحكومة، انطلق من دفاعه عن إلغاء الحظر على الحجاب، ليتّهم خصومه العلمانيّين ووسائل إعلامهم، بالعمل على إثارة الفوضى في البلاد، وليهدّد بإنزال إلى الشارع «10 أضعاف» العدد الذي عبّأه العلمانيّون في التظاهرات الأخيرة، متوعّداً إيّاهم بـ«تسديد ركلة» للمادّة 17 من قانون التعليم العالي الذي يمنع ارتداء هذا الحجاب.
في المقابل، اعترف أردوغان بأنّ حكومته انتظرت 5 سنوات حتّى تصبح قادرة على تعديل المادّة 301 من قانون العقوبات، التي تعاقب «كل من يشتم القوميّة التركيّة turkishness»، وهي الجريمة التي راح ضحيّتها عدد كبير من المثقّفين والساسة على يد الميليشيات الموازية للعسكر.
وفي السياق، اتّهم رئيس الوزراء بعض «النافذين في الدولة» بفعل المستحيل للحؤول دون الذهاب بقضيّة توقيف قادة عصابة ergenekon حتّى النهاية. وفي إشارته الأخيرة، لا بدّ أنّ أردوغان كان يلمّح إلى قادة الجيش الذين احتضنوا لفترات طويلة هذه العصابات واستعملوها أداةً تنفيذيّة للقيام بـ«الأعمال القذرة» التي لا يستطيعون القيام بها قانوناً تحت شعار حماية الجمهوريّة من أعدائها الداخليّين. وكانت تسريبات صحافيّة كثيرة قد راجت منذ توقيف هؤلاء في إسطنبول قبل فترة، لمّحت بقوّة إلى أنّ الجنرال المتقاعد والي كشكوك، قد ضحّى به العسكر كـ«كبش فداء» لحماية «الرؤوس الكبيرة» التي تقف خلف العصابة.
ويبدو أنّ الرجل القوي في حزب «العدالة والتنمية» يستفيد من احتضان شعبي قوي لخطوة إلقاء القبض على هذه المجموعة، ما أعطاه دفعاً للذهاب حتّى النهاية في هزّ العصا في وجه الخلايا التي لا تزال تخطّط لشنّ انقلابات أو أعمال عنف ضدّ الحكومة التي ثبّتت رجليها في الحكم رغماً عن إرادة القوميّين المغالين والعسكر. وتنبع قيمة تهديدات أردوغان من حقيقة أنّها تأتي بعد أيّام من الكشف عن محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس عبد الله غول الشهر الماضي في أحد فنادق أنقرة، والتي فشلت بسبب ارتباك منفّذيها.
وفي العودة إلى التراشق الإعلامي الذي رافق قضيّة رفع الحظر عن ارتداء الحجاب من قبل البرلمان التركي قبل أسبوعين، ذكّر أردوغان أنّ رئيس حزب الشعب، دينيز بايكال، كان أوّل من تعهّد بتعديل الدستور للسماح بارتدائه وذلك خلال حملته الانتخابية عام 2002، متّهماً الرجل بأنّه يقف خلف «الحملة الاستفزازية التي تهدف إلى إثارة الفوضى والتسبّب بصدامات بين الأتراك»، وهي استفزازات توعّد رئيس الوزراء بعدم السماح بتكرارها.
ومن دون أن يسمّيه، انتقد أردوغان بقسوة رئيس تحرير صحيفة «حريات» إرتوغرول أوزكوك، الذي وصف سياسته بـ«ديكتاتوريّة الأكثريّة»، فأشار إلى أنه «لم يعد يحتمل مثل هذه التعليقات لأنها تحوّل تصويت 411 نائباً (عدد الذين أعطوا أصواتهم للسماح بالحجاب) إلى مضحكة».
وبعد التصعيد الكبير في لهجته، تنبّه أردوغان إلى أنه يجدر به إعطاء تطمينات لتهدئة الشارع العلماني الغاضب في مقابل التهديد والوعيد، فأكّد أنّ حزبه «ليس حزباً دينيّاً ولا يسعى أبداً إلى إقامة دولة إسلاميّة»، نافياً «الادّعاءات» التي تقول إنّ من شأن السماح للمحجّبات بدخول الحرم الجامعي أن يمثّل ضغطاً على غير المحجّبات لوضع الرمز الديني بدورهنّ، فـ«حتّى في عائلتي، هناك محجّبات وغير محجّبات، وجميعهنّ شقيقات بالنسبة إليّ».