واشنطن ـــ محمد سعيد
يثير الاهتمام الأميركي المفاجئ بأفريقيا تساؤلات عن الغاية الحقيقية لواشنطن من القارة السمراء في ظل الحاجة الملحّة إلى مواردها الطبيعية، في وقت تسعى فيه الإدارة الأميركية إلى تقليل الاعتماد على نفط العرب

يصرّ الرئيس الأميركي جورج بوش على أن جولته الأفريقية الحالية، التي بدأها السبت الماضي، تحمل عدداً من المبادرات الإنسانية والحقوقية والسياسية. كما يحاول أيضاً تعزيز جهوده لنشر الديموقراطية وتأكيد الدور الأميركي في حل النزاعات الأفريقية ومغازلة شعوب القارة السمراء بطرح العديد من المشاريع الصحية والاقتصادية والتنموية.
غير أن خبراء ومحللين في الشؤون الأفريقية يؤكدون أن الزيارة، الثانية منذ تولي بوش الحكم قبل سبع سنوات، تأتي في سياق محاولة لتكريس النفوذ الأميركي في القارة السمراء ومجابهة النفوذ الصيني الذي بدأ يمتد هناك للاستفادة من مصادر الطاقة الواعدة مع تزايد الاكتشافات النفطية، حيث تشير مصادر اقتصادية إلى أن واشنطن تتوقّع أن تأتي ربع احتياجاتها من النفط من أفريقيا بحلول عام 2015.
وتشمل جولة بوش وقرينته لورا إلى جانب بنين وتنزانيا، كلاً من رواندا وغانا وليبيريا، وهي البلدان الخمسة التي اعتبرها تجسد روح التفاؤل والحيوية في قارة قال عنها إنها «دخلت القرن الحادي والعشرين وهي تمتلك الكثير من الطاقات وتمر بالعديد من التحولات السياسية والاقتصادية»، مضيفاً أنه «سيؤكد للشركاء الأفارقة أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعمهم اليوم وغداً وفي المستقبل».
لكن بوش لن يزور كينيا أو دارفور التي يعتبرها «قضيته الخاصة». وبالرغم من مساعي الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري في القارة الأفريقية، تحت دعاوى مساعدة الأفارقة في حل نزاعاتهم الداخلية والإقليمية، من خلال إنشاء القيادة الأميركية لأفريقيا التي لم يتحدد بعد أين سيكون مقرها، إلا أن كبار مساعدي بوش يدّعون أنه سيعمد إلى طمأنة القارة السوداء إلى أن الوجود العسكري الأميركي لا يستهدف بسط الهيمنة ولا التدخل في شؤونها بل المساعدة في مقاومة الإرهاب، راسماً صورة إنسانية لهذه الجولة بإعلان البيت الأبيض أنها تستهدف تأكيد التزام الولايات المتحدة بالشعوب الأفريقية وتسلط الضوء على الكيفية التي تتعاون بها واشنطن مع زعماء أفريقيا لمواجهة تحديات الأمراض والفقر والأمن.
وقال البيت الأبيض إن جولة بوش الأفريقية «ستكون فرصة للرئيس لإلقاء نظرة مباشرة على التقدم المهم منذ آخر زيارة له في عام 2003 في مساعي زيادة معدلات النمو الاقتصادي ومحاربة الإيدز والملاريا وبعض الأمراض الأخرى القابلة للعلاج، نتيجة للبرامج الأميركية الفاعلة في هذه المجالات». وتشمل جولة بوش زيارة عدد من المستشفيات والمدارس.

الترتيب الأمني

ورغم المسحة الإنسانية التي يحاول مساعدو بوش وضعها على جولته الأفريقية بإبراز زيادة الاعتمادات المالية في مجال الصحة وربط المعونة الخارجية بالإصلاح، فإن هناك ميراثاً واحداً لا يزال معلّقاً في الميزان، وهو ترتيب أمني أميركي جديد للقارة السمراء، إذ إن ما تسمّيه واشنطن «الحرب على الإرهاب» وتعزيز الأمن يزيد من عسكرة سياسة بوش الأفريقية لعام 2008 فيما تؤكد هذه السياسة على الهدف الثالث وهو مواصلة السعي للاستفادة من الموارد الأفريقية، وخصوصاً النفط.
وقد صعدت إدارة بوش من نشاط الولايات المتحدة العسكري في أفريقيا منذ عام 2002 في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وهو ما وصفه العديد من الأميركيين وأعضاء ديموقراطيون في الكونغرس بأنه «عسكرة المساعدة الأميركية لأفريقيا»، حيث ارتفع إجمالي المبيعات العسكرية الأميركية والتدريب والتمويل والنفقات لمصلحة ثماني دول أفريقية، تعتبرها الولايات المتحدة «بلداناً استراتيجية» للحرب على «الإرهاب»، من 40 مليون دولار للفترة الممتدة من 1997-2001 إلى أكثر من 130 مليون دولار للفترة الممتدة من 2002-2006.
واستناداً إلى تقرير لهيئة خدمات أبحاث الكونغرس في أيار الماضي، فإن الولايات المتحدة قد أقامت برامج عسكرية ومكافحة الإرهاب وبرامج استخبارية في العشرات من الدول الأفريقية. فهناك فريق العمل المشترك للقرن الأفريقي الذي يستخدم معسكر «ليمونير» في جيبوتي قاعدةً رئيسية لعمليات مكافحة الإرهاب على سواحل القارة منذ شهر تشرين الأول 2002. وفي كانون الثاني 2007، أُعلن توسيع مساحة معسكر «ليمونير» من نحو 400 كيلومتر مربع إلى 2000 كيلومتر مربع.
وفي إطار مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، قدمت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) 500 مليون دولار لرفع مستوى أمن الحدود ومكافحة الإرهاب إلى مالي، والنيجر، وتشاد وموريتانيا. كما قدمت في إطار برنامج التدريب والمساعدة لعمليات القارة الأفريقية كمية من الأسلحة الصغيرة والتدريب لعمليات حفظ السلام إلى بنين، وبوتسوانا، وساحل العاج، وإثيوبيا، والغابون، وغانا، وكينيا، ومالاوي، وموزمبيق، ونيجيريا، والسنغال، وأفريقيا الجنوبية، وأوغندا وزامبيا.
وبينما لم تكن هناك دوريات للبحرية الأميركية في خليج غينيا حتى عام 2004، فإنه يشهد حالياً دوريات مستمرة للبحرية الأميركية التي تراقب بلداناً تمتد من غينيا إلى أنغولا. كما تحصل القوات الأميركية على تسهيلات وقواعد عسكرية جوية وبحرية أفريقية إلى جانب مرافق بدائية تشرف عليها قوات أمن محلية في الغابون، وكينيا، ومالي، والمغرب، وناميبيا، وساو تومي وبرينسيب، والسنغال، وتونس، وأوغندا وزامبيا.

القطاع الخاص

يظهر عمق الارتباط العسكري الأميركي المنظور مع أفريقيا في القطاعين الرسمي والخاص منذ عام 2002، إذ إن البرنامج الأميركي للدعم العسكري والتدريب، الذي كان قد استثمر نحو 10 ملايين دولار سنوياً لتدريب العسكريين الأفارقة، قد ارتفع في ميزانية عام 2008 إلى 13.7 مليون دولار. وفي الوقت نفسه بلغت مبيعات شركات الأسلحة الأميركية إلى الجزائر فقط نحو 281 مليون دولار في العام المالي 2006. وبينما بلغت مبيعات شركات الأسلحة الأميركية إلى بلدان الصحراء الأفريقية 900 ألف دولار في عام 2000، فإنها وصلت في عام 2008 إلى 92 مليون دولار بزيادة 80 في المئة عما بلغته عام 2006.
ولدى الولايات المتحدة حالياً اتفاقيات تعاون أمني مع خمس دول أفريقية في عنتيبي بأوغندا، وليبرفيل في الغابون، وأكرا في غانا، وداكار في السنغال، ولوساكا في زامبيا. كما يوجد مركز استخباري أميركي ـــــ أوغندي مشترك قرب العاصمة كامبالا.
وقد أدّى التصعيد العسكري والأمني الأميركي في القارة الأفريقية إلى إثارة القلق والمخاوف في أوساط منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة وأفريقيا، حيث عبّرت هذه المنظمات عن مخاوف مستمرة حول المخاطر المحتملة لهذا التغيير وغياب أي شكل من المحاسبة في العملية؛ فالحكم الديموقراطي والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان هي تحديات جديّة في العديد من بلدان القارة الأفريقية. وتخشى المنظمات أن تؤدي عسكرة المساعدات لأفريقيا إلى زيادة حادة في الانحدار الحالي للمعركة القائمة من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في القارة.
فعسكرة أفريقيا تأتي في وقت لا تستطيع فيه القارة تحمّله. وقالت منظمة الإغاثة الإنسانية البريطانية «أوكسفام»، في تقرير عن النزاعات الأفريقية المسلحة في تشرين الأول الماضي، إن «كلفة هذه النزاعات تأتي على حساب التنمية في القارة، حيث بلغت هذه الكلفة خلال الفترة من 1990-2005 نحو 300 مليار دولار شملت 23 بلداً أفريقياً أي بمعدل 18 مليار دولار سنوياً. وهو ما يساوي تقريباً حجم المساعدات المالية والاقتصادية التي تلقتها هذه البلدان في الفترة نفسها.
وتتساءل منظمات المجتمع المدني عما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم زيادة وجودها العسكري لدعم الحرية وتقرير المصير والنمو والرخاء والمحاسبة نيابة عن غالبية المليار نسمة في أفريقيا أو أن هذه المبادرة الجديدة ستُستخدم بدلاً من ذلك لمراقبة دول وكيلة تعتبر زعاماتها أنها مسؤولة عن تحقيق المصالح الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة.

وحي القيادة الأميركية

يتوقع الخبراء زيادة نمو عسكرة السياسة الأميركية تجاه أفريقيا بشكل حاد في عام 2008، بعدما بدأت القيادة الأميركية لأفريقيا (أفريكوم) العمل رسمياً في تشرين الأول الماضي، رغم أن إدارة بوش تتجنب حتى الآن الكشف عن الأهداف الأمنية والعسكرية والاقتصادية الحقيقية لهذه القيادة، التي تغطيها بالحديث عن مهام إنسانية خُصص لها 389 مليون دولار في ميزانية عام 2009.
ويذكر أن باحثين في مؤسسة «هيرتيج» اليمينية، هما جيمس كرافانو ونايل غاردينر، اقترحا في دراسة قدماها إلى إدارة بوش في تشرين الأول عام 2003، إقامة قيادة عسكرية مركزية لأفريقيا تعمل على تحقيق غرض الوصول إلى نفط وغاز أفريقيا وغيرهما من الموارد الطبيعية في القارة، التي تنتج 90 في المئة من الكوبالت في العالم، و64 في المئة من المنغنيز، و50 في المئة من الذهب، و40 في المئة من البلوتونيوم، و30 في المئة من اليورانيوم، و20 في المئة من النفط، و70 في المئة من الكاكاو، و60 في المئة من البن، و80 في المئة من الكولتان، و50 في المئة من زيت النخيل. ولم يفت الباحثين التأكيد على أهمية أفريقيا الاستراتيجية في «الحرب على الإرهاب».
وفي محاولة من إدارة بوش لإقناع جمهور القارة السوداء بصدق أغراضها الإنسانية والتنموية، فقد عمدت إلى وضع هيكلية للقيادة الأميركية لأفريقيا تظهر أن عملها متمم لبرامج معونة تقدم من وزارة الخارجية الأميركية عبر سفاراتها وعبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وادّعى الجنرال وليام كيب وارد، القائد الأعلى لـ«أفريكوم»، أن «أفريكوم لا تمثل سيطرة عسكرية للسياسة الخارجية الأميركية على أفريقيا، وشأنها شأن قيادات عسكرية أخرى مكلفة برصد الأوضاع في أميركا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا، فإنها تقوم بتنسيق نشاطاتها مع السفارات الأميركية المعتمدة لدى دول المنطقة». لكن على عكس قيادات أخرى، ستلجأ «أفريكوم» الى توظيف بنية إدارية جديدة وخلّاقة تستقطب خبراء عسكريين ومدنيين من مختلف هيئات الإدارة الأميركية لصوغ سياسات وتبادل أفكار جديدة حول السياسة مع الشركاء الأفارقة للولايات المتحدة.
وبالرغم من الادعاء أن «أفريكوم» ستحظى برقابة مدنية أكثر من أي قيادة عسكرية أميركية إقليمية أخرى، فإن من الصعب تصديق أن السياسة الأميركية تجاه أفريقيا لن يسيّرها العسكر، وخصوصاً أنها ستكون في النهاية تحت إشراف «البنتاغون».
ويقول المنتقدون إن القيادات العسكرية ببساطة ليست مصمّمة للعمل الإنساني، مشيرين في هذا المجال إلى ما حدث في العراق، إذ رغم مشاركة وزارة الخارجية في مشاريع إعادة الإعمار إلا أنها أبعدت عن المناقشات الخاصة بخطط الغزو وما بعده، والقيادة الأميركية لأفريقيا ستحذو حذو البنتاغون في بلاد الرافدين.
ويخشى الأفارقة، الذين عانوا ولا يزالون من جرائم المرتزقة الأوروبيين وغيرهم، أن تكرّر «أفريكوم» تجربة ما يحدث في العراق اليوم، حيث يعمل عشرات الآلاف من المرتزقة في إطار ما يسمّى شركات الأمن الخاصة مع قوات الاحتلال الأميركي ولا تسري عليهم القوانين الأميركية أو حتى العراقية في شأن ممارساتهم القاتلة في العراق.
كذلك يخشى الأفارقة ومنظمات المجتمع المدني من السياسة الاقتصادية الأميركية التي يعتقدون أنها ستخضع لعسكرة السياسة الأميركية في أفريقيا عموماً، وهم يعيدون إلى الأذهان ما يصفونه بـ«الآثار المدمرة للصراع والتنافس الأميركي ـــــ السوفياتي في فترة الحرب الباردة على اقتصادات أفريقيا». ويقول هؤلاء إن السياسة الأميركية ـــــ الأفريقية قد تكون خطرة إذا ما كررت أخطاءها التاريخية مع دخول الولايات المتحدة في منافسة مع الصين على الموارد الطبيعية للقارة الأفريقية.

ابحث عن النفط

ويحتل النفط الأفريقي الموقع الأبرز في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وغيرها من الدول، كما يحتل موقعاً مركزياً في العلاقة ما بين نمو العسكريتاريا والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة؛ فبالنسبة للعديد من منظمات المجتمع المدني الأميركية والأفريقية، فإن كل الطرق تشير إلى خطاب بوش في عام 2006 عن حال الاتحاد الأميركي، الذي أكد فيه نيته استبدال وارداته من النفط العربي، التي ستصل إلى 75 في المئة من احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة، مع حلول عام 2025، فيما يتوقع أن تصل واردات واشنطن من النفط الأفريقي إلى 25 في المئة من احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2015.
ويرى خبراء أن المؤشرات الرئيسية التي ينبغي مراقبتها ستكون علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية المنتجة للنفط والكيفية التي تعمل بها هذه الدول العسكرية لاستخدام ثروتها النفطية للقضاء على الفقر وتوسيع الإصلاحات الديموقراطية وتطوير أنظمة قضائية مستقلة وتطبيق حكم القانون.
فبينما لا تزال نيجيريا تحتل المرتبة الأولى على قائمة الدول الأفريقية جنوبي الصحراء التي تعتمد على إنتاج النفط (2.5 مليون برميل يومياً)، فإنها لا تسجل سوى 80 في المئة من عوائدها النفطية و70 في المئة من النيجريين يعيشون في فقر.
أما أنغولا فيتوقع أن يصل إنتاجها من النفط إلى 2 مليونَي برميل يومياً في العام الجاري. وقد اجتذبت صناعة الطاقة من نفط وغاز أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ عام 2003. وتشكل عوائد أنغولا من النفط 40 في المئة من ناتجها القومي الخام ونحو 90 في المئة من العوائد الحكومية، وهي تحتل المرتبة 162 في فهرس التنمية البشرية.
وينتج السودان نحو 520 ألف برميل يومياً. وبالرغم من زيادة الاستثمارات الصينية والتركية ودول أخرى، لا يزال السودان واحداً من أفقر الدول حيث يحتل المرتبة 147 في فهرس التنمية البشرية.