آلان نايرن
نشر موقع «كاونتر بانش» الأميركي المناهض لسياسة إدارة الرئيس جورج بوش مقالاً للكاتب آلان نايرن، لمّح فيه إلى أن إسرائيل اغتالت القيادي في حزب الله عماد مغنية تحضيراً لجولة ثانية من المواجهة بعد هزيمتها في عدوان تموز

يوم الجمعة الماضي، سألت مسؤولاً إسرائيلياً رفيع المستوى، كان عضواً سابقاً في قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي ومقرباً من رئاسة الوزراء، عمّا إذا كان من الممكن أن تكون مجموعة لبنانية قد نفّذت اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية.
ضحك بسخرية شديدة لهذه الفرضية السخيفة، وأجاب بأن الطريقة التي نفذ فيها الاغتيال «كانت معقدة جداً، لقد كانت عملية دولية منسقة بدقة». وكانت هذه هي «المرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة خلال عام التي نفذت فيها إسرائيل عمليات عسكرية في سوريا».
وعندما طلبت منه تكرار الجزء الثاني من كلامه، أضاف إلى جملته تعبير «يُزعم أنها».
لكن الرسالة، أو على الأقل التبجح، كان واضحاً. إذن لماذا إسرائيل تقوم بذلك؟
أجاب عضو القوات الخاصة شارحاً لي عن زملائه: «هناك الكثير من المسؤولين (الإسرائيليين) في الجيش والحكومة يتوقون لجولة ثانية مع لبنان. إذا ما اعطُوا الفرصة فسيغتنموها». وقد لا يهاجمون لبنان مجدداً «رغماً عن» إدراكهم أن هجوم عام 2006 فشل، بل «بسبب» ذلك.
رغم أن الجيش الإسرائيلي سوّى المباني والقرى بالأرض، وزرع 4 ملايين قنبلة عنقودية (حيث لا يزال بعضها ينفجر)، وقتل نحو 200 عنصر من حزب الله و1000 لبناني مدني (في مقابل 40 مدنياً إسرائيلياً أوقعهم حزب الله)، إلا أنه غادر لبنان وهو غير راض سياسياً.
الشعور الرسمي كان إما أنهم لم يدمروا كفاية، أو لم يقضوا على عدد كافٍ من الأهداف والعناصر، وذلك لتجنب الاعتراف المخجل بأنهم هُزموا أمام حزب الله. لذا، وبهدف فتح احتمال حلّ هذه المشكلة، شنوا بشكل واضح عملية اغتيال استفزازية لجرّ حزب الله إلى التصعيد وتأمين سياق لتدمير جديد ـــــ ومحسّن ـــــ يؤمنون بأنه «سينجح» في مثل هذا الوقت.
هناك محاولات في إسرائيل للتعبير عن ذلك بالمفردات الاستراتيجية، بالطريقة التي يفضّلها القتلة المثقفون، مثل «يجب على إسرائيل أن تثبت قيمتها الاستراتيجية للولايات المتحدة» (ماذا؟ هل من الممكن أن تتخلى واشنطن عن إسرائيل؟). أو «انتصار» حزب الله قوّى الفلسطينيين ولبنان، وعرّض وجود إسرائيل للخطر. أو مثلاً، بموازاة ذلك، يقال: «يجب استئصال حزب الله» (وهو أمر يعلم الجميع أنه مستحيل).
في الواقع، كلما أمعنا في تفحص هذه السياسة وجدناها أقرب إلى أسلوب «العلاج بالدماء»، الذي يتبعه القادة الإسرائيليون. والأمر نفسه ينطبق على الجمهور الذي يتبعهم: حكومة إيهود أولمرت في أزمة سياسية، وإذا لم يقتل رئيس الوزراء قريباً بعض العرب (من يُقتل وأين هو أمر ثانوي)، فإن ائتلافه الحاكم قد ينفرط عقده. فعلى الجمهور أن يشعر بالرضا أيضاً.
المشكلة بالنسبة إلى من سيُقتَل، وبالنسبة إلى مقولة القانون، فضلاً عن مسألة الكرامة (التي يذكرها قليلون)، هي أن صلب السياسة الإسرائيلية الحالية هي مركبة على هذا النحو: الطلب مستمر، رغم استثناءات شجاعة قليلة، ليس فقط بقتل يومي، روتيني للفلسطينيين، بل بضربات دراماتيكية دورية تثيرهم وتجعلهم ينتشون بمظهر البطل والضحية في آن. الأمر هو كأن موظفي شبكة «فوكس نيوز» تكاثروا وأصبحوا أمة.
ليس من الضروري أن يكون الأمر على هذا النحو، لكن من الواضح أنه الآن على ما هو عليه. كل ما يجب فعله لتراه هو التقاط الجرائد أو التكلم مع بضعة إسرائيليين، على سبيل المثال عنوان جدعون ليفي في «هآرتس»: «أحمدي نجاد صغار».
وأن تقوم الدولة بقتل الآخرين وقمعهم من دون علم رأيها العام شيء (كما كان الأمر خلال تدخل واشنطن في أميركا الوسطى في الثمانينيات). لكن إذا كان الرأي العام يعلم ذلك ويؤيد الظلم والجرائم فهذا موضوع مختلف كلياً (كما كان حال الأميركيين البيض تجاه عبودية السود، وخلال أولى مراحل حرب العراق حيث يبدو أن الرأي العام يتحول، ولا يزال، في الإجابة عن سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة «تربح» هناك).
في الحال الأولى، سياسة القتل معرّضة للخطر. إذا سُرِّبَ الأمر، فسيكون الرأي العام غاضباً. لكن في الحالة الثانية، فهذه السياسة أكثر ثباتاً، بما أن الجمهور يعلم ويطلب المزيد.
لكن الناس والدول لا يمكنهم أن يكتبوا بأنفسهم كامل تاريخهم. فهم يتفاعلون عادة مع الآخرين. وفي حال إسرائيل، التفاعل الأساسي يتم مع الولايات المتحدة، ضمانتهم العسكرية ومزودهم الضخم، ومع اليهود الأميركيين، حيث يتحوّل الرأي العام لدى الشباب منهم ببطء.
في المقابل، يمكن الفلسطينيين والمجموعات كحزب الله وحماس الانضمام إلى الولايات المتحدة كشركاء مؤثرين، لكن فقط إذا ما تخلوا عن رؤيتهم ونظرتهم للمستقبل (وعزمهم على القتل أو الاغتيال)، على غرار بعض الفلسطينيين والعرب، والتحول إلى حركة فعالة، لكن سلمية، واستعمال قدر قليل جداً من العنف (كالانتفاضة الأولى وعملية هدم جدار غزة)، وعدم السماح بعد اليوم باستعمالهم ذريعة «ردّ على استفزاز» تستخدمها إسرائيل كلما احتاجت إلى إثارة.