إيلي شلهوب
نظرية جديدة بدأ الترويج لها في الولايات المتحدة، تضرب ركناً إضافياً من أركان السيادة. غايتها شرعنة التدخل في شؤون الدول الأخرى. بل جعله واجباً. ولو اقتضى الأمر اجتياحاً عسكرياً، تحت مظلة الشرعية الأممية والقانون الدولي.
فكرة تم تبنيها أساساً في قمة الأمم المتحدة التي انعقدت في عام 2005. عنوانها: مسؤولية الحماية. ماهيتها: عندما تثبت دولة ما عدم قدرتها، أو رغبتها، في حماية شعبها، وعندما تُرتكب جرائم ضد الإنسانية، عندها يُصبح من واجب المجتمع الدولي التدخل، واستخدام القوة المسلحة عند الضرورة.
النص واضح: تعلن الدول الأعضاء أنها مستعدة، بموافقة مجلس الأمن الدولي، «على القيام بعمل جماعي، بطريقة ملائمة وحاسمة» عندما «تفشل السلطات الوطنية، بشكل واضح، في حماية شعبها من الإبادة وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية».
نظرية استخدمت أمس لتبرير استقلال كوسوفو، الذي أعلن من جانب واحد، بدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) ومن خارج مجلس الأمن! هي الأخيرة في سلسلة من المفاهيم التي ابتدعتها القوى الغربية الكبرى لتوفير غطاء نظري (أو أيديولوجي) للآلية التي ترى أنها تستطيع، بواسطتها، تأمين مصالحها خارج حدودها.
مفاهيم حكمتها النزعة الدينية (الحروب الصليبية) والرغبة بحماية المواد الأولية وطرق المواصلات (الموجات الاستعمارية) وحماية الأقليات (في الدولة العثمانية...) وإعادة الإعمار (اليابان وأوروبا مع بعد الحرب العالمية الثانية) ومساعدة الشعوب على بناء دولها (الانتداب) ومكافحة الإرهاب (أفغانستان والعراق) ونشر الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان (حدث ولا حرج).
كلها تبريرات أمنت الأرضية المناسبة لتدخل عسكري في دول من المفروض أنها «سيدة» في نظر القانون الدولي (حتى عندما لم يكن موجوداً).
«سيادة» تحدث كثر عن زوالها في عصر العولمة، حيث الحدود مشرعة لانتقال رأس المال والبضائع، وحيث الأثير مفتوح لوسائل الاتصال المرئي والمسموع وشبكة المعلوماتية. زوال بدأت ملامحه الأولى تظهر مع تخلي الدولة ـــــ الأمة عن بعض امتيازاتها لكيانات أشمل، من منظمات إقليمية ودولية.
عولمة وكيانات فوق قومية استتبعت حديثاً عن «قرية كونية»، وعن سقوط الحدود الفاصلة لمصلحة خير الإنسانية ورفاهيتها. وبشرت بالدولة العالمية المنشودة!
حدود خطتها، في معظم الأحيان، موازين القوى (في المركز) ومصالح الدول العظمى (في الأطراف)، التي أمعنت في التجزئة والتفتيت. إمعان بلغ أوجه في النصف الأول من القرن العشرين، وجرت استعادته في أواخره (تفكك الاتحاد السوفياتي وتجزئة البلقان).
كوسوفو هي أول الغيث في القرن الحادي والعشرين. قرن كانت انطلاقته غير مبشرة: تغيير الأنظمة، أو المارقة منها، بات ضرورة لحفظ الأمن والسلام العالمي. بدأ بتقسيم للعالم إلى «فسطاطين»: محور الخير ومحور الشر. محاور تزداد حدة المواجهة في ما بينها، وتتغير أشكالها مع انضمام لاعبين جدد (روسيا مثالاً).
مواجهة اعتمدت الإرث التبريري نفسه، قبل أن تضاف إليها نظرية «مسؤولية الحماية»، وما تفرضه من «واجب» التدخل حيث شروطه محققة. اللائحة تطول. تبدأ من روسيا (الشيشان) والصين (التيبت) ولا تنتهي في إسرائيل (فلسطينيو 48). تدخّل تحققه مرتبط عضوياً بمصالح الكبار. من المثير معرفة ما هي الأشكال التي سيتخذها في... لبنان.