باريس ـ بسام الطيارة
لم يعد السؤال يدور في الأوساط السياسية الفرنسية حول تراجع شعبية الرئيس نيكولا ساركوزي، بل بات جُلّ اهتمام المتابعين لاستفتاءات الرأي تخمين متى يتوقف هذا التراجع قبل أن يبلغ مستويات غير مسبوقة على مستوى الرئاسة الفرنسية.
لقد خسر ساركوزي خلال ثلاثة أشهر ١٩ نقطة من جانب مؤيدي سياسته «وربح» ١٠ نقاط في شق المعارضين، ما جعل شعبيته تدور حول نسبة ٣٦ في المئة، معادلاً في ذلك «أرقاماً قياسية سلبية استثنائية» سُجِّلت مرتين فقط في تاريخ فرنسا المعاصر (فرنسوا ميتران عام ١٩٨٤ وجاك شيراك عام ١٩٩٥). غير أن نسبة معارضي سياسة الرئيسين السابقين ـــــ في الحالتين ـــــ لم تبلغ الـ٥٨ في المئة التي سجّلتها أكثر من منظمة استطلاع رأي في الأيام الأخيرة.
هذا التراجع في شعبية ساركوزي جاء لمصلحة المرشح الرئاسي السابق فرانسوا بايرو (الوسط)، إذ سجلت ارتفاعاً ملحوظاً (4 نقاط) مع التنويه بأن نسبة كبيرة من مؤيدي اليمين (13 في المئة)، والذين صوّتوا لساركوزي خلال الانتخابات الرئاسية، باتوا يعلنون جهاراً أن «ظنَّهم قد خاب» وبات يحسب لهم حساب في كل الاستطلاعات.
ومن الرابحين أيضاً، ممثل أقصى اليسار «الشاب»، أوليفييه بوزانسونو، الذي ارتفعت شعبيته ٤ في المئة.
ويفسِّر المراقبون عدم ارتفاع نسبة تأييد رئيسة الحزب الاشتراكي، سيغولين رويال، بـ«غياب نبرة عالية لمعارضتها» ينعكس «غياباً لصوتها» في ظل تراكم هفوات ساركوزي. لكن رويال، وبحسب استفتاءات، تربح بعض نسب التأييد لدى شريحة من الطبقات المتوسطة العليا (زيادة ٤ في المئة) بسبب «هذا الهدوء في المعارضة» والذي يفسّره بعض المقربين منها بأنه «لترتيب البيت الاشتراكي» ومنعاً للتشويش على الحملة الانتخابية للبلديات التي تدور دورتها الأولى بعد أسبوعين في 9 آذار المقبل.
ومن الطبيعي أن هاجس اليمين، وخصوصاً حزب التجمع الشعبي الحاكم، هو هذا الاستحقاق الذي يمكن أن تنعكس خلاله شعبية ساركوزي المتدهورة على نتائجه.
ومن المعروف أن السيطرة على البلديات في ظل القوانين التي أُقرّت في العقدين الماضيين تؤمِّن للأحزاب رافعة سياسية ومالية قوية جداً ومؤثرة في الانتخابات النيابية كونها «محرك الخدمات والتسهيلات الاجتماعية» للسكان.
وتظهر تصريحات العديد من مرشحي اليمين خوفهم من أن تندس ردة فعل سلبية على المواقف السياسية لساركوزي في صناديق الاقتراع فيتم «تحميلهم ثمن» فشله السياسي.
ومما يزيد من «هلع اليمين الفرنسي» هو رفض زعيمهم «تهدئة نشاطه غير المتناسق والذاهب في اتجاهات متعددة وغير منسجمة»: هو حيناً يعلن أن «صناديق الدولة فارغة» سعياً لكسب دوائر المال وأرباب العمل، وحيناً يوزِّع الوعود يمنة ويسرة سعياً لكسب أصوات فئات الموظفين والمتقاعدين. ثم إنه يحتّل الواجهة الإعلامية بشكل مكثَّف، فيما يتطلب تراجع شعبيته «ابتعاده عن شعبوية الظهور النجومي» حتى يسترد بعضاً من «عافيته السياسية».
ويتفّق الجميع على أن ساركوزي لن يستعيد شعبيته من خلال «إقحامه مسألة المحرقة في حديقة أطفال فرنسا» وجعل تعليمها إجبارياً بشكل «التصاقي ووجداني» لما واجهته من ردود فعل سلبية، وخصوصاً لدى علماء النفس والمتخصّصين في شؤون التربية والأطفال.
وتدخل في هذا السياق «الدراما الانتخابية» التي حصلت في ضاحية نيويي سور سين، حيث اضطر أحد المتحدثين الرسميين باسمه للخروج من السباق الانتخابي البلدي. إذ إن هذه الحادثة لا يمكن أن تحسِّن صورته الشعبية، ولا سيما بعدما تبيَّن أن المسألة مجرد تحضير لترشيح ابنه الطالب الجامعي البالغ ٢٢ سنة، لمنصب في المجلس البلدي لهذه الضاحية الغنية، في إطار خطة «توريث سياسي» يبغضه الفرنسيون بطبيعتهم «الثورية».