strong>قرار الصدر تجديد تجميد «جيش المهدي» يلقى ثناءً أميركياً
بدا المشهد العراقي أمس، أمام صورتين متناقضتين؛ من جهة، بدأت القوّات التركيّة تنفيذ اجتياح عسكري وصفته قيادة الأركان بأنّه «الأوسع نطاقاً منذ أكثر من عقد». في المقابل، مدّد زعيم التيار الصدري، السيّد مقتدى الصدر، الهدنة 6 أشهر جديدة مع الاحتلال، بعد تجديده قرار تجميد نشاطات «جيش المهدي».
على الحدود التركيّة ــــ العراقيّة، ظهر وكأنّ «صفقة» متعدّدة الأطراف أُبرمَت لتسهيل اجتياح تركي «محدود»، على حدّ تعبير رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، للأراضي العراقيّة، بعمق 10 كيلومترات. فغطاء التدخّل البرّي، لم يحصل سوى بعد اتصالين أجراهما الرئيس التركي عبد الله غول وأردوغان بكلٍّ من الرئيسين الأميركي جورج بوش والعراقي جلال الطالباني. في المكالمة الأولى، نالت أنقرة موافقة أميركيّة «على أن تحافظ فيها القوات التركيّة على أمن المدنيّين». وفي الاتصال الثاني، كشف مكتب غول أنّ الرئيس أبلغ الطالباني بتفاصيل العمليّة قبيل بدئها، مرفقاً التبليغ بدعوة الرئيس العراقي (الكردي) إلى زيارة أنقرة، لتكون إذا حصلت، الزيارة الأولى لمسؤول كردي بمستوى الطالباني إلى الأراضي التركيّة.
برزت 3 ملاحظات في ملابسات اليوم الأوّل من التدخّل العسكري التركي: أوّلاً، موقف الحكومة العراقيّة من العمليّة التي أشارت المعلومات الوافدة من أنقرة، إلى أنّها ستطول 15 يوماً ويشارك فيها 10 آلاف جندي. فرئيس الحكومة نوري المالكي تفادى التصريح، وأوكل إلى المتحدّث باسم حكومته علي الدباغ دعوة تركيا إلى «احترام وحدة وسيادة العراق وعدم التعدّي على حياة وممتلكات المواطنين العراقيين». أمّا الأبرز فجاء على لسان وزير الخارجيّة (الكردي أيضاً) هوشيار زيباري، الذي قلّل من أهميّة العملية العسكريّة، ورأى أنّه «لم يحدث أيّ هجوم رئيسي أو غزو برّي عبر الحدود... فما يحدث هو أن بضع مئات من الجنود الأتراك عبروا الحدود بحثاً عن أعضاء حزب العمال الكردستاني أو قواعدهم».
الملاحظة الثانية هي التضارب الكبير في الموقف من العمليّة، بين كلّ من واشنطن والاتحاد الأوروبي؛ ففي حين اعترفت قيادة الجيش الأميركي بأنّها أُعلمَت مسبقاً بالعمليّة، اعترض منسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا وبريطانيا وبرلين بشدّة، وطالبوا أنقرة بسحب قواتها من شمال العراق «في أسرع وقت ممكن».
أمّا المتحدّث باسم البيت الأبيض، سكوت ستانزل، فقد حثّ القوات التركية على أن تقتصر العمليات على «استهداف دقيق» لمقاتلي «العمّال»، مع دعمه لتركيا في فعل كل ما ترتئيه لحماية نفسها من «الإرهاب». كما اعترف بأنّ العمليّة جاءت نتيجة للتنسيق الاستخباري الحاصل بين البلدين، منذ اتفق بوش وأردوغان على ذلك في تشرين الثاني الماضي.
ثالثاً: كان لافتاً ما كشفه أحد قادة شرطة الحدود الكرديّة «البشمركة» بشأن استنفار قوّاته في الجبال المحاذية للأراضي التركيّة، وخصوصاً تأكيده حصول اشتباك بسيط مع جنود أتراك متمركزين في قاعدة عسكرية تركية داخل الأراضي العراقيّة.
في هذا الوقت، طمأن مقتدى الصدر الحكومة العراقيّة وقوّات الاحتلال عندما مدّد العمل بتجميد نشاطات «جيش المهدي» لمدّة ستّة أشهر جديدة. وتلا إمام صلاة الجمعة في مسجد الكوفة أسعد الناصري رسالة من الصدر تقول: «أمدّد تجميد جيش الإمام المهدي إلى الخامس عشر من شعبان» (16 آب المقبل).
ووُزِّعت ظروف مغلقة في المساجد الشيعية تضمّنت قرار الصدر، فتحها الأئمة في خطبة الجمعة وقرأوها على المصلّين. ونظراً إلى أنّ مقرّبين من الصدر كانوا قد أوحوا في اليومين الماضيين بأنّ في نيّة الصدر وقف الهدنة، لاقى القرار ترحيباً من العالم كلّه، وخصوصاً من واشنطن ولندن، بالإضافة إلى حكومة بغداد طبعاً.
واختلفت ردود فعل أتباع الصدر إزاء قراره، وخصوصاً أن ضغوطاً كبيرة مورسَت عليه في الفترة الأخيرة لدفعه نحو العودة إلى ساحات المواجهة بحجج استمرار الاعتقالات والتصفيات التي ظلّت تواجههم من جانب قوات الاحتلال والقوات الحكومية العراقية.
وتنوّعت ردود الفعل الشعبيّة إزاء القرار. ففي حين صاح المؤيِّدون بين المصلّين لدى سماع قرار الصدر «عاش عاش مقتدى»، طأطأ آخرون رؤوسهم وأجهشوا بالبكاء من دون التعبير عن رفضهم الالتزام بالقرار، الذي سارعت قيادة الجيش البريطاني والأميركي إلى الترحيب به.
وقالت القوات الأميركية، في بيان، «الوعد الذي قطعه (مقتدى الصدر) بشرفه في آب 2007 لوقف الهجمات التزام مهم من شأنه أن يسهم عموماً في مزيد من تحسين الظروف الأمنية للعراقيين كافة».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز)