برلين ــ غسان أبو حمد
انتخابات هامبورغ غـداً تضع مستقبل «الاشتراكي الديموقراطي» على المحكّ


تدخل الحياة السياسية الألمانية مرحلة جديدة، شكلاً ومضموناً، عبر الانتخابات الفرعية المقرّرة غداً الأحد في ولاية هامبورغ، التي سيبنى عليها عملياً مستقبل التحالفات الحزبية في ألمانيا الاتحادية.
ويتوقّع المراقبون أن تؤدي نتائج الانتخابات في ولاية هامبورغ إلى رسم صورة التحالفات الحزبية الجديدة، بعد بلوغ «الوحدة الألمانية» عامها الثامن عشر وإطلالتها في «سن الرشد» على واقع أكثر نضجاً في جميع ميادين الحياة السياسية، ما يدفعها إلى طرق باب مجلس الأمن الدولي في القريب العاجل للمشاركة في «الواجبات»، وبالتالي في المغانم.
والحديث عن «سن الرشد» السياسي، يعني قناعة الشعب الألماني، وتحديداً أحزابه السياسية، أن مرحلة البناء والتخطيط لوحدة حياة اجتماعية قد انتهت، وبالتالي فإن ما كان استثنائياً عبر تحالف الحزبين الرئيسيين (الاشتراكي والمسيحي الديموقراطي)، بدأ يعود تدريجاً إلى قواعد اللعبة الديموقراطية التي بإمكانها وحدها تأمين استمرارية النمو والتقدم والمراقبة والمحاسبة.
وتبدو صورة الواقع السياسي الجديد في ألمانيا الموحدة مثيرة للجدل، ذلك أن التوقعات الأولية للنتائج الانتخابية في هامبورغ تشير إلى عودة القوى اليسارية إلى مسرح الحياة السياسية وتمدّدها تدريجاً وبخطى ثابتة، بعد ولادتها القوية في الانتخابات الفرعية في وسط البلاد (هيسن وساكسونيا السفلى) واجتياحها القوي لشرقي البلاد.
انطلاقاً من هذا الواقع السياسي الجديد، يمكن التأكيد أن جبهة التحالف الحاكم حالياً، القائمة على تحالف الحزبين الرئيسيين في البلاد، قد تفكّكت ودخل الصراع قواعد الحياة الديموقراطية، بفعل تنامي القوى اليسارية وحزب البيئة الأخضر والحزب الليبرالي (أي خمسة أحزاب رئيسية)، التي خلطت أوراق التحالفات الحزبية ومنعت أي حزب من السيطرة الكاملة والتفرد في القرار وفرضت إشراك الآخرين وفرض صيغة التحالفات الحزبية.
وتعيش ولاية هامبورغ شكلاً جديداً لسير العملية الانتخابية عبر اعتماد طريقة جديدة يفترض فيها أن تسقط الحواجز بين المرشح والناخب، وذلك عبر شبكة الإنترنت والمراكز الحزبية المفتوحة الأبواب للردّ على أسئلة الناخبين.
وتفرض الآلية الجديدة المعتمدة حال استنفار كاملة لدى الناخبين والمرشحين معاً، أي توجيه الأسئلة من الناخب مباشرة لمعرفة رأي المرشح وتصوراته لمعالجة المشاكل اليومية. وقد بدأت جمعيات ولجان تطلق عليها تسمية «مراقبين» بتقديم التسهيلات أمام الناخب، عبر استخدام برامج كومبيوتر توزّع عليه أسماء المرشحين بسرعة، عبر طريقة التسلسل الأبجدي للأسماء أو توزع عليه مواقف الأحزاب بحسب القضايا. فإذا شاء الناخب معرفة رأي الأحزاب في موضوع الغلاء والضريبة مثلاً، توفّرت أمامه وبسرعة المواقف الحزبية وحلولها.
إنه امتحان «تقني» لتسهيل الحياة السياسية، يقدّم المعرفة سريعاً ويوفر المعلومات، وبالتالي يمنع الناخب من الادّعاء لاحقاً بجهله لمواقف الأحزاب والمرشحين ويسهل لاحقاً عملية المحاسبة. وربما رفع دعاوى الغشّ والتزوير لإرادة الناخب في حال تراجع المرشح عن مواقفه. هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فإن الأحزاب الرئيسية التي دخلت مرحلة التفكك الداخلي وانفراط عقدها التحالفي بدأت تعيد حساباتها، مستفيدة من الأخطاء التي وقعت بها في انتخابات مقاطعة «هيسن وساكسونيا السفلى» عندما طالبت بتشديد العقوبات على الشباب الأجنبي أو بالإشارة إلى قضايا اللجوء الأجنبي، في محاولة لاستخدام الحضور الأجنبي عاملاً لجذب الناخبين المحافظين والتقليديين إلى لوائح حزب المستشارة أنجيلا ميركل (المسيحي الديموقراطي) أو لوائح الحزب الاشتراكي الديموقراطي. والجديد يتجلّى في استخدام شعارات تطال السياسة الخارجية، عبر التركيز على السلام وعدم دخول الحروب واستفزاز الآخرين.
في هذا السياق، تحاول الأحزاب الرئيسية مقارعة «المنافسين الجدد»، وتحديداً القوى اليسارية، عبر وضع كامل ثقلها في حملات إعلامية تؤكد على الحرية والمساواة وخفض الضرائب وسن التقاعد. ويركز الحزب الاشتراكي الديموقراطي على فرملة الصعود السريع للقوى اليسارية، التي يجسدها رئيسه السابق أوسكار لافونتين ورئيس الحزب الشيوعي في ألمانيا الديموقراطية (سابقاً) غريغور غيزي، وهما شخصيتان سياسيتان تمتلكان تجربة حزبية واسعة وتتمتعان بإعجاب الناخبين، وهذا ما يؤكد أن المعركة في هامبورغ هي معركة للنقد الذاتي في البيت اليساري، وهذا هو العامل الرئيسي الذي سيضع مستقبل الحزب الاشتراكي الديموقراطي على المحكّ. وهو الخاسر في الحالتين. لأن الشكل الانتخابي الجديد سيدفعه لتحديد مواقفه، وبالتالي للردّ على أسئلة طالما تهرّب من الإجابة عنها.