strong> بول الأشقر
يبدأ في كوبا غداً اجتماع البرلمان الذي سينتخب مجلس الدولة المؤلّف من 31 عضواً ورئيسه، ما يساوي انتخاب القيادة التنفيذية للجزيرة الشيوعيّة ورأس الدولة، في خطوة تشكّل، بحسب صحيفة «إل باييس» الإسبانية، «بداية الثورة الثانية»، أيّاً كانت التغييرات التي يقرّها، لأنّها المرّة الأولى منذ انتصار الثورة، التي لن يترأّس فيها فيديل كاسترو الدولة.
ليس معروفاً حتى هذه الساعة إذا كان فيديل سيبقى، ولو رمزياً، على رأس «الحزب الشيوعي»، علماً بأنّه تنحّى عن رئاسة الدولة وعن قيادة القوّات المسلّحة الثلاثاء الماضي، من دون ذكر موضوع الحزب. وكلّ شيء حتى الآن يشير إلى أنّ شقيقه الأصغر (من ناحية أبيه) راوول، الذي حلّ مكانه «مؤقتاً» بعد مرضه، سيُنتخب رئيساً بشكل رسمي. غير أنّ بعض المراقبين يرون وجود احتمال، ولو صغير، بأن يحتلّ هذا الموقع الطبيب كارلوس لاجي، الذي يشغل في الممارسة دور رئيس الحكومة.
كل خيار آخر سيكون مفاجأة من العيار الثقيل. والمتّفق عليه هو أنّ كوبا ستدخل الآن في مرحلة تسرّع فيها الإصلاحات الاقتصادية وربّما أيضاً الإصلاحات السياسية، وخصوصاً بعد إعلان راوول العام الماضي أنّ «المعاشات غير كافية وأنّ الاقتصاد بحاجة إلى إصلاحات بنيوية».
وأوضحت أوساط مقرّبة من الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، أن راوول طلب مساعدته خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الأوّل إلى هافانا قبل أسبوعين، من أجل «تحديث الاقتصاد وتنويع علاقات كوبا ورفع الحصار الأميركي عنها». وتحدّث لولا عن تسليفات واستثمارات برازيلية بقيمة مليار دولار.
والاهتمام يتركّز الآن على معرفة كيفية توزيع المسؤوليّات بين «الجيل القديم» الذي يبقى منه بعض الوجوه البارزة التي شاركت في حرب العصابات، ومن بينهم راوول وخوان ألميدا، وما سماه فيديل «الجيل الوسطي» الخمسيني، وأبرز وجوهه وزير الخارجية فيليبي بيريز روكي، ورئيس البرلمان ريكاردو ألاركون.
ومن دون التقليل من أهمية التغييرات التي قد تحصل في كوبا بدءاً من الآن، يذكر عدد من الباحثين المتخصصين بأوضاع هافانا أن التغييرات بدأت في كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي منذ 20 عاماً. أمّا نقل المسؤوليات، فقد جرى منذ أكثر من عقد حيث توقّف فيديل عن التعاطي في الإدارة اليومية، وتعمّق بشكل لا عودة عنه مع مرضه، ما يرجّح الآن (إذا عرف القياديون الحفاظ على وحدتهم) تغييرات تدريجية أعمق وأسرع من دون تغييرات دراماتيكية بالضرورة.
وبعنوان «تأمّلات الرفيق فيديل» بدلاً من «تأمّلات القائد العام»، تصدّر صحيفة «غرانما» مقال جديد لفيديل برّره بـ«ضرورة إطلاق النار الإيديولوجي على العدوّ»، فيما «كنت قرّرت التوقّف عن الكتابة لفترة 10 أيّام». تاركاً موضوع ردة فعل الأصدقاء والكوبيّين «لمناسبة أخرى».
وتطرق فيديل إلى رد فعل الرئيس الأميركي جورج بوش والمرشّحين للرئاسة الأميركية على رسالة تنحّيه عن القيادة. وقال إنّ «بوش الابن الموجود في أفريقيا (خلال زيارة انتهت أوّل من أمس)، أصل الإنسانية وشهيدتها اليوم، ولا أحد يعرف لماذا هو موجود هناك. وقد رأى في رسالتي بداية الطريق إلى الحرية، وهو يعني بداية الضمّ الشامل». وأضاف «أقول بأنه يجهل الفارق بين بداية مرحلة وبداية نهاية نظام استعماري»، منتقداً «الدول الأوروبية المتقزمة التي ترقص على أنغام هذا النظام».
وعن المرشّحين الأميركيّين الثلاثة إلى الرئاسة الأميركيّة، الديموقراطيّين باراك أوباما وهيلاري كلينتون والجمهوري جون ماكاين، قال فيديل: «استمتعت بردّ فعلهم المرتبك، وقد وحّدوا للمناسبة أجوبتهم لئلّا يخسروا ولو ناخباً واحداً». وأضاف «التغيير، التغيير، التغيير... ليس لديهم إلّا هذه الكلمة يردّدونها وهم يقصدون: الإلحاق، الإلحاق، الإلحاق... أنا موافق على التغيير، ولكن في الولايات المتحدة يبدو أن نصف قرن من الحصار لم يكفهم بعد ليقتنعوا بضرورة التغيير. فكوبا تغيّرت منذ وقت طويل وستتابع مسيرتها الجدلية من دون الرجوع أبداً إلى الماضي، هذا ما يجهر به شعبنا».
وختم الزعيم الشيوعي مقاله قائلاً: «أنتظر نهار الأحد (غداً) وأنا منكبّ على عملية اختيار القياديين الجدد». واشتكى علناً من وضعه في واجهة الصحافة في كوبا وقال: «سئمت وأنا أطالب بأن يضعوا مقالاتي في الصفحة الثانية لا في الأولى أبداً، وأن تكتفي الوسائل الأخرى بمقتطفات عندما أسترسل وأطوّل».
وفي سياق منفصل، ولمناسبة مرور 10 سنوات على زيارة البابا يوحنّا بولس الثاني إلى كوبا، يزور الكاردينال بيرتوني، وهو الرجل الثاني في الفاتيكان، الجزيرة الشيوعية. وقد بثّت إحدى قنوات التلفزة القدّاس المركزي الذي ترأّسه في هافانا بحضور عدد من المسؤولين مباشرة. ويحدث ذلك للمرة الأولى منذ زيارة البابا الراحل عام 1998.
وكانت كوبا قد تحوّلت عام 1991 من دولة ملحدة إلى دولة علمانية، وسمحت بشتى أشكال الممارسة الدينية وفتحت أبواب الحزب الشيوعي إلى المؤمنين. وذلك على عكس ما يُروّج عادة، وزيارة البابا يوحنّا كانت تتويجاً لهذه التغييرات لا سبباً لها.