مي الصايغ
تعطي الانتخابات الرئاسية القبرصية وميض أمل بإمكان توحيد الجزيرة المقسمة منذ 34 عاماً، وهو ما عززه خروج الرئيس تاسوس بابادوبولوس من الجولة الأولى للسباق الرئاسي، وخلوّ الميدان في الجولة الثانية المقرّرة غداً أمام بطلي «الانفتاح» حيال المجموعة القبرصية التركية: زعيم الحزب الشيوعي ديميتريس كريستوفياس ومرشح اليمين يوانيس كاسوليدس.
ومن المتوقع أن تشهد انتخابات الغد منافسة هي الأكثر حدّة في تاريخ الجزيرة، وسط ترجيح المراقبين حسم ديميتريس كريستوفياس المعركة لصالحه، بعد تجيير حزب يمين الوسط «ديكو» بزعامة الرئيس المنتهية ولايته، أصوات ناخبيه لصالحه، في وقت قررت فيه الكنيسة الأرثوذكسية في قبرص دعم المرشح المحافظ يوانيس كاسوليدس. وعلى غرار حزب «ديكو»، قرّر حزب «إيديك» الاشتراكي دعم كريستوفياس أيضاً، فيما لم يعلن حزب الخضر والحزب الأوروبي موقفيهما.
ويقدم مرشح حزب «أكيل» الشيوعي ديميتريس كريستوفياس (61 عاماً) نفسه على أنه «رجل الشعب» والقادر في الوقت نفسه على التوصل إلى حل للأزمة القبرصية من خلال اتصالاته الوثيقة مع السياسيين القبارصة الأتراك، ويبقى هاجسه «إعادة توحيد هذا الشعب الفخور بنفسه والمكوّن من القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، وضمان احترام حقوق الإنسان والحريات والعمل على بناء وطن سعيد».
الا أن بعض المراقبين شكّك في قدرة زعيم الحزب الشيوعي، الذي دعا إلى رفض خطة الأمم المتحدة خلال استفتاء العام 2004، على إنجاز التسوية، ليعود وينتقد إدارة «القضية القبرصية» من قبل الرئيس بابادوبولوس.
في المقابل، يقدّم يوانيس كاسوليدس (59 عاماً) نفسه على أنه مرشح الشباب، ويعد شعبه «بانطلاقة جديدة» بما يشمل معالجة المسألة الشائكة المتعلقة بانقسام الجزيرة. ويرى أن «البلاد عزلت نفسها بالنسبة للقضية القبرصية من دون أصدقاء ولا حلفاء. وتوالت النكسات علينا».
ويأخذ كاسوليدس على بابادوبولوس وضع قبرص في عزلة بسبب مواقفه المتشددة، ويقدم نفسه على أنه القادر على حل المسألة القبرصية، معلناً استعداده لمقابلة المسؤولين القبارصة الأتراك في حال انتخابه.
ولدى إدلائه بصوته في الدورة الأولى، قال كاسوليدس «نصوّت اليوم للمرة الأولى ونحن جزء من الاتحاد الأوروبي، نريد أن يكون بلدنا حديثاً، تصان فيه كرامة المواطنين، ونريد وضع حد لاحتلال الجزيرة» من قبل القوات التركية.
وإزاء القوميين المتصلبين، يطرح نفسه على أنه «تقدّمي» يريد تحريك السياسة الداخلية وإعادة صداقات في الخارج شهدت فتوراً بعد رفض خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان. ويرى أن شبكة العلاقات الدولية التي أقامها خلال توليه وزارة الخارجية بين 1997 و2003 ومنذ أربع سنوات كنائب في البرلمان الأوروبي تجعله الرجل المخوّل أكثر لاستعادة دعم العواصم الأجنبية.
ومع إعلان نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الأحد الماضي، رحب زعيم القبارصة الأتراك محمد علي طلعت بالنتائج. واعتبر «أن هزيمة تاسوس بابادوبولوس تعطي أملاً حول إمكانية تجاوز الأزمة».
يشار إلى أن قبرص انقسمت إلى شطرين عام 1974 إثر اجتياح القوات التركية قسمها الشمالي، رداً على قيام القبارصة اليونانيين بحملات عسكرية على نظرائهم القبارصة الأتراك رافعين شعار «الإينوسيس» المتفرعة من فكرة «الميغالي» التي تدعو إلى ضم كامل الجزيرة إلى اليونان وإحياء الامبراطورية الإغريقية، تدعمهم في ذلك الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
وفي العام 2004، انضمت قبرص بشطرها الجنوبي إلى الاتحاد الأوروبي، في حين لا تزال جمهورية شمال قبرص التركية كياناً لا تعترف به سوى تركيا. وكان القبارصة اليونانيون رفضوا عام 2004 في استفتاء بنسبة بلغت نحو 75 في المئة خطة أنان لحل المسألة القبرصة، في حين وافق عليها القبارصة الأتراك بنسبة مشابهة.
فهل ينجح كريستوفياس كأول رئيس شيوعي في تبوّء سدة الرئاسة، أم تكون الكلمة الفصل للكنيسة الأرثوذكسية التي لطالما أدت دوراً حاسماً في رسم مستقبل الجزيرة المتوسطية؟ وهل يستطيع الرئيس العتيد إزالة الخط الأخضر الذي يفصل شطري الجزيرة منذ عام 1974؟