رام الله ــ أحمد شاكر
السلطة تقمع تظاهرة تشييعه في رام الله


عاد التوتّر الداخلي ليبرز على سطح القضية الفلسطينية بعد مقتل أحد أئمة «حماس» في سجون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، في وقت طرح الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مبادرة جديدة للحوار الداخلي الفلسطيني.
وقمع المئات من عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أمس، مسيرة وسط مدينة رام الله، كان من المخطط أن تشارك في تشييع جثمان مجد البرغوثي (42 عاماً)، الذي توفي في سجون السلطة يوم الجمعة.
وبعد نقل الجثمان، حاول المئات من المواطنين تنظيم مسيرة باتجاه دوار المنارة، إلا أن سلسلة بشرية من رجال الأمن انتشرت على مساحة واسعة وسط المدينة حالت دون ذلك، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بالأيدي، واعتدت الأجهزة الأمنية على المتظاهرين وصادرت الرايات الخضراء التي كانت بحوزتهم.
وفي كوبر، شيّع نحو ثلاثة آلاف فلسطيني، غالبيتهم من أنصار حركة «حماس»، جثمان إمام البلدة مجد البرغوثي، الذي لُفّ براية حركة «حماس»، فيما أطلق المشيّعون هتافات ضد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض ورئيس جهاز المخابرات توفيق الطيراوي. وهتف المشيّعون وهم يرفعون جثمان البرغوثي «الانتقام، الانتقام، يا كتائب القسام»، و«يا طيراوي يا جبان يا عميل الأميركان».
وهذه المرة الأولى التي يطلق فيها أنصار «حماس» هتافات ضد مسؤولين في السلطة الوطنية في الضفة الغربية، حتى إن بعض المشيّعين رددوا هتافات مؤيدة للقوة التنفيذية التابعة لـ«حماس» مثل: «هية، هية، هية، القوة التنفيذية». ورددوا عبارات تأييد للقيادي في «حماس» محمود الزهار، ولرئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل.
وقال الشاب علي البرغوثي (28 عاماًَ)، الذي عرّف عن نفسه لوكالة «فرانس برس» بأنه «مستقل»، إن «مثل هذه الحالات هي التي ترفع وتيرة الاحتقان». وأضاف: «إذا تكررت مثل هذه الحالة لدى السلطة الوطنية في الضفة الغربية، أعتقد بأن الأمور ستذهب إلى ما هو أصعب مما شهدته غزة».
وأعلن محمد البرغوثي، الوزير السابق عن حركة «حماس»، أمام المشيّعين، أنه عاين جثة المتوفّى. وقال: «لقد شاهدت آثار التعذيب التي لا لبس فيها على جسده». وأضاف أن نجل الإمام المتوفّى قسام البرغوثي (13 عاماً) قال: «أبي اعتقل لدى إسرائيل خمس سنوات، لكنه عاد في النهاية إلى البيت، ولكن السلطة اعتقلته خمسة أيام، ولم يعد».
وكان الرئيس الفلسطيني قد أمر الأجهزة الأمنية بالتحقيق في ظروف وفاة البرغوثي. والتقى عباس ليل السبت ــــ الأحد كلّاً من نائب رئيس الوزراء السابق في حكومة «حماس» المقالة، ناصر الدين الشاعر، ووزير العدل السابق علي السرطاوي. وقال الشاعر إنه جرى خلال اللقاء «بحث كل المواضيع»، من دون مزيد من التوضيحات.
وفي قطاع غزة، لاقى الإعلان عن وفاة البرغوثي حالاً من الغضب الشديد والإدانة الواسعة من جانب الحكومة المُقالة في قطاع غزة، وحركة «حماس»، ومؤسسات المجتمع المدني.
ووصفت الحكومة المُقالة برئاسة إسماعيل هنية، وفاة البرغوثي داخل أحد سجون جهاز المخابرات العامة في رام الله بأنها «جريمة نكراء» ارتكبتها «فئة خارجة على القانون». وقال المتحدث باسم الحكومة، طاهر النونو، إن البرغوثي توفي بفعل التعذيب الشديد «على أيدي زبانية التحقيق فاقدي الإنسانية والضمير في سجون الانقلاب في رام الله».
ورفض المتحدث باسم كتلة «حماس» البرلمانية، صلاح البردويل، ادّعاءات السلطة في رام الله بشأن مرض البرغوثي ومعاناته من تضخّم في القلب. وقال: «مورس بحق الشهيد البرغوثي جميع أنواع الشبْح والتعذيب والضرب والتجويع، حيث خرجت روحه الطاهرة وهو مشبوح معلّق في السقف من يديه المقيّدتين من الخلف. وعلى الفور، قام الطيراوي وعصابته بتلفيق رواية مكشوفة كالعادة تبرر استشهاد الشيخ».
من جهة ثانية، رحب عباس بمبادرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للحوار الوطني الفلسطيني، فيما أبدت حركة «حماس» جهوزية لإنجاح أي وساطة لهذه الغاية.
ونقل متحدث باسم الرئاسة عن عباس قوله إن هذه المبادرة «تعكس حرص الرئيس اليمني على وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، وإنهاء حال الانفصال والانقسام التي لا تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية، وأدت إلى هذا الوضع الخطير من الحصار والعدوان على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشريف».
أما المتحدث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، فقال إن «موقف حماس هو تأكيد جهوزيتها لإنجاح أي وساطة عربية لعقد حوار بين حماس وفتح على قاعدة حوار من دون شروط، مع تأكيدنا الاستعداد لدراسة كل الأمور بشكل مفتوح على طاولة الحوار».
وبحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) فقد اشتملت المبادرة على سبع نقاط تستهدف العودة بالأوضاع في غزة إلى ما كانت عليه قبل تاريخ 13 حزيران 2007، أي قبل سيطرة حركة «حماس» عليها وإجراء انتخابات مبكرة، واستئناف الحوار على قاعدة اتفاق القاهرة 2005 واتفاق مكة 2007، «وعلى أساس أن الشعب الفلسطيني كلٌّ لا يتجزأ وأن السلطة الفلسطينية تتكوّن من سلطة الرئاسة المنتخبة والبرلمان المنتخب والسلطة التنفيذية ممثّلة بحكومة وحدة وطنية، وكذا الالتزام بالشرعية الفلسطينية بكل مكوّناتها».