مقتل 15 جندياً تركياً وإسقاط مروحية... و«العمّال» يدعو إلى مهاجمة المدن
...وفي اليوم الخامس على بدء الحملة العسكريّة التركيّة البرية ضدّ حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق، بدأ الغموض ينقشع عن الصورة الميدانيّة والسياسيّة للحدث. عسكريّاً، بدأت تركيا تتكبّد خسائر كبيرة، بينما ظهر أنّ خلافاً جوهرياً يشوب موقف أركان الإدارة الأميركيّة من الخطوة التركيّة.
في المقابل، فإنّ الحكومة العراقيّة اقتصر ردّ فعلها على «دعوة تركيا إلى الانسحاب من الأراضي العراقيّة للسير في طريق المفاوضات لحلّ أزمة العمّال الكردستاني». ويبقى التهديد الأخطر على أمن أنقرة، ذلك الذي أطلقه المسؤول العسكري للحزب الكردي بـ«جعل حياة الأتراك لا تُحتَمَل داخل الأراضي التركيّة».
وإلى جانب الحرب الدائرة بين الطرفين، تسير معركة إعلاميّة موازية؛ معركة الفائز فيها حتّى الآن، هو الطرف الكردي. فمنذ يوم السبت (أوّل من أمس)، أعلن «العمّال» أنّ لدى حزبه 15 جثّة لجنود أتراك. نفى الجيش صحّة الخبر، لكنّه ما لبث أن اعترف بأنّ خسائره بلغت فعلاً هذا الرقم. ثمّ كشف الحزب الكردي عن أنه أسقط مروحيّة تركيّة من نوع «كوبرا». وبعد الرفض التركي، عاد وأقرّ بذلك. أمّا حصيلة القتلى الأكراد، فلا تزال مجهولة؛ فمع تأكيد الجيش التركي أنّها وصلت إلى أكثر من 100 في الأيام الأربعة الماضية، تشير المصادر الكرديّة إلى أنّها لم تزد على الـ10 مقاتلين.
التهديد الأبرز جاء على لسان رئيس الجناح العسكري في حزب العمّال باهوز أردال، عندما دعا الأكراد في تركيا إلى القيام بأعمال عنف في المدن ردّاً على العملية البرية.
وقال أردال، لوكالة «فرات نيوز» الناطقة باسم «العمّال»، «إذا أرادت (الدولة التركية) تدميرنا، فعلى الشبان أن يجعلوا الحياة في المدن الكبرى لا تحتمل. عليهم أن يتجمّعوا أزواجاً ويحرقوا ليليّاً مئات السيارات».
كما أنّ أردال وجّه اتهاماً إلى كلّ من الولايات المتّحدة، الذي رأى أنها «تؤدي دوراً ناشطاً في الهجوم التركي» من جهة، وإلى الرئيس العراقي جلال الطالباني واصفاً إيّاه بأنه متآمر ضدّ الأكراد.
وأضاء أردال باتهاماته، على الصورة السياسية للتطوّرات؛ فرغم أنّ وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس كانت قد اعترفت بأنّ موافقة ومساعدة أميركيّتين مسبقتين نالتهما القوات التركيّة في هجومها، فإنّ وزير الدفاع روبرت غيتس قال كلاماً يمكن وضعه في خانة الخلاف مع الرأي الغالب داخل الإدارة الأميركية حول الغزو التركي. فقد أشار غيتس، في العاصمة الأوستراليّة كانبرا التي يزورها، إلى أنّه يرى الحلّ العسكري «ليس كافياً وحده»، مستدلاً بتجربة جيش بلاده في أفغانستان والعراق، وكأنّ في كلام غيتس ما يحاول تحذير الأتراك من مغبّة «الغرق في المستنقع الكردي». ومن المتوقّع أن تؤثّر الحماسة الناقصة لغيتس تجاه الخطوة العسكرية التركية، على لقاءاته مع المسؤولين الأتراك في أنقرة المتوقّع أن يصلها في اليومين المقبلين.
أمّا حكومة بغداد، وفي ظلّ سفر رئيسها نوري المالكي إلى لندن لتلقّي العلاج، فقد اكتفت بمناشدة تركيا سحب قوّاتها من الأراضي العراقيّة «في أسرع وقت لأنّ العملية العسكرية تشكّل انتهاكاً لسيادة العراق».
لكنّ الموقف العراقي بدا «مراوغاً»، بما أنّ الحكومة فضّلت عدم استعمال أيّة وسيلة ضغط على أنقرة للانسحاب. وفي هذا السياق رفضت بغداد وقف صادراتها النفطيّة من كركوك إلى ميناء جيهان التركي.
بدورها، لوّحت قيادة إقليم كردستان بـ«مقاومة شاملة» للجيش التركي «إذا تعرّض مدنيون أو مناطق مأهولة بالسكان للهجوم».
وفي مؤتمر صحافي، عقده رئيس وزراء حكومة كردستان نيجيرفان البرزاني في أربيل، كشف أنّ رئيس الإقليم مسعود البرزاني بعث برسالة إلى جورج بوش يطلب منه العمل على وقف الهجمات على الإقليم. واعترف نيجيرفان البرزاني بأنّ حكومته أُبلغَت مسبقاً من قبل الأميركيّين بأنّ القوات التركيّة ستجتاح الأراضي العراقيّة.
أمّا الردّ التركي على التحذيرات والمناشدات الكردية والعراقية، فقد جاء على شكل تحذير مقابل من مغبّة أن يؤوي أكراد العراق مقاتلي «الكردستاني». ومكافأة للهجة الهادئة التي تعتمدها الحكومة العراقية إزاء الحملة، قرّر رئيس حكومة تركيا رجب طيّب أردوغان إرسال مبعوث خاص إلى بغداد يوم الأربعاء المقبل «لبحث القضايا الأمنية الحالية» حسب ما أعلنه المتحدّث باسم الحكومة العراقيّة علي الدباغ.
ولأنّ إيران معنيّة مباشرة بالتخلّص من المقاتلين الأكراد الذين لديهم فرع إيراني للعمّال على أراضيها (الحياة الحرّة)، قرّرت سلطاتها تعزيز حدودها مع العراق لـ«عدم السماح للمقاتلين الأكراد بالدخول والاحتماء داخل الأراضي الإيرانيّة» حسب المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز)