إيلي شلهوب
بلغت حدة الانقسام العربي مستوى غير مسبوق، يهدد بإطاحة قمة دمشق، ومعها ما بقي من إرث «المثلث الضامن» لوحدة العرب (بحدها الأدنى)، وأمنهم القومي: مصر والسعودية وسوريا.
انقسام سعت الولايات المتحدة إلى تعميقه، على قاعدة «معتدلين» و«متشددين»، دليلها في ذلك مدى مطواعية الأطراف المعنية، والتزامها مواجهة إيران ومحاربة «عملائها»، في إشارة إلى «حماس» و«حزب الله».
لكنه انشقاق يبدو أكثر عمقاً حتى مما يسعى العم سام إلى ترويجه: صراع نفوذ وزعامة. صدام لانتزاع أوراق القوة... أو الحفاظ عليها، تغذيه الخلافات الإيديولوجية، وحتى المذهبية، تحدد إطاره طبيعة الاصطفافات الإقليمية والدولية، وتتحكم في مستوى تصدّعه موازين القوى والتطورات الميدانية. صراع وقوده المال السعودي والنفوذ المصري و«الدعم» السوري. حلبتاه الرئيسيتان: لبنان وفلسطين. أسبابه: غضب الرياض مما تراه ضربة وجهتها دمشق لنفوذها في بلاد الأرز (اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه)، واستياء مصر من ولوج سوريا منطقة تعدّها أساسية لأمنها القومي («انقلاب غزة») ومحاولتها احتكار ورقة «حماس».
بدأ سعودياً ــــ سورياً، أدت خلاله مصر دور الوسيط. شرارته كانت في 14 شباط 2005. بقي مستتراً نحو عام ونصف عام، مرّ خلالها بمراحل متعددة (من القمة غير الودّية التي جمعت الأسد وولي العهد عبد الله في 13 آذار من العام المذكور، إلى التنديد بـ«المغامرة غير المحسوبة» لحزب الله (خلال عدوان تموز) قبل أن يُشعله خطاب الرئيس السوري عن «أنصاف الرجال».
وساطة القاهرة (ومعها التقارب السعودي ــــ الإيراني) أثمرت مشاركة سورية في قمة الرياض وترطيباً للأجواء خلال لقاء جمع الملك عبد الله والأسد. وساطة جرت وفق نظرية العمل على سحب سوريا من «عناق الدب» الإيراني.
حدثان مفصليّان أعادا عقارب الساعة إلى الوراء: إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن (30 أيار 2007)، وسيطرة «حماس» على غزة (4 حزيران 2007). الأول كان إشارة مفصلية إلى أن الأكثرية الحاكمة في لبنان، ومن خلفها السعودية (وأميركا) ماضية في مشروعها الرامي إلى «إسقاط حاكم دمشق». أما الثاني فدقُّ ناقوس الخطر في القاهرة، التي اصطفّت إلى جانب الرياض (رغم التنافس المزمن بينهما على زعامة العالم العربي).
وهكذا، اتخذ الصراع السوري ــــ السعودي منحى تصاعدياً، غذّى الانقسام القائم في لبنان وتغذّى منه، وأطاح في طريقه المبادرتين الفرنسية، والعربية!، (مع فترة هدوء وجيزة رافقت مؤتمر أنابوليس). بل بلغ حدّ محاولة السعودية اللعب من داخل الهيكل السوري.
تصعيد ترافق مع حدثين بالغَي الدلالة: الغارة الإسرائيلية على سوريا في 6 أيلول الماضي، وما حملته من إشارات إلى استعداد إسرائيلي لخوض غمار حرب مقبلة، وجولة جورج بوش في كانون الثاني 2008 وما حملته من تأكيدات علنية أن المواجهة مع إيران لا تزال قائمة (رغم تقرير الاستخبارات)، وأخرى سريّة لم تُعرف ماهيتها.
اليوم، يبدو أن السعودية حددت معيار «النصر» على سوريا بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً بلا «سلة». تلوّح بعصا المحكمة، التي وفّرت لها ميزانيتها. تهدد (ومعها مصر!)، برفع «الضمان» العربي عن دمشق عبر التغيّب عن قمتها. تدفع نظام الأسد إلى المربع الأول: غريزة حفظ البقاء، وتعطي الضوء الأخضر لمن يتوق إلى جولة جديدة مع حزب الله. نيران يُرجّح أنها لن تُبقي عروشاً، وتُثبت أن بعض زعماء المنطقة «ذوو عماء».