معمر عطوي
لطالما كان راوول كاسترو (76 عاماً) رجل الظل، الذي يحمي أخاه فيديل ونظامه الاشتراكي في كوبا، من دون أن تجذبه الأضواء. لكن «الرجل الثاني»، الذي يُقال عنه إنه الشيوعي الأول من بين الثوار الذين أطاحوا الدكتاتور فولخنسيو باتيستا عام 1959، قد تميَّز أخيراً بطروحاته الانفتاحية، إذ عرض «غصن الزيتون» على عدوة بلاده اللدود، واشنطن.
لقد جمع الجنرال راوول منذ نصف قرن بين مهمات عديدة، كنائب أول لرئيس مجلس الدولة (السلطة التنفيذية) والأمين الثاني للحزب الشيوعي ووزير الدفاع. وقاد بيد من حديد مؤسسة الجيش، التي تُعدّ دعامة النظام الاشتراكي، فيما يقوم بمهمات الرئاسة منذ تعرُّض شقيقه فيديل لأزمة صحّية في تموز 2006.
هو الشاب المُتحمّس الذي اعتنق الشيوعية مذ كان في الثانية والعشرين من عمره. وكان من بين ثوار قلائل تعرفُّوا على هذه المدرسة، حين شارك في الهجوم على ثكنة مونكادا في 26 تموز 1953.
إثر هذا الهجوم الفاشل، سُجن راوول إلى جانب رفاقه الذين نجوا من القتل، لكنه استفاد وإياهم من عفو الدكتاتور باتيستا في عام 1955، ونُفي بعدها إلى المكسيك، حيث بدأ التحضير للثورة مع فيديل والطبيب الأرجنتيني آرنستو تشي غيفارا وآخرين.
وكان راوول بعد عودة الثوار إلى كوبا في عام 1956 أحد القادة الأقوياء الذين أداروا حرب العصابات مع جيش باتيستا، من جبال سييرا مايسترا (جنوب) والتي انتهت بانتصار الثوريين في الأول من كانون الثاني 1959 وفرار باتيستا إلى الخارج.
في تلك الجبال، تعرَّف راوول على زوجته فيلما إسبين «السيدة الأولى الحقيقية» في البلاد، والتي توفيت في حزيران من العام الماضي. وأنجب منها أربعة أولاد.
بعد نجاح الثورة، تحوّل راوول الى اعتماد الخط السوفياتي المُتشدّد وتولى مهمة إقامة جيش وأجهزة الاستخبارات وفق رؤية شقيقه، وعزَّز وضع المؤسسة العسكرية في الحياة العامة، وأصبح للجيش نفوذه في قطاعات سياسية وإقتصادية.
لقد استطاع راوول أن يُقنِع شقيقه الصلب بمقدرته على تولِّي دفّة السفينة المتلاطمة بين أمواج العقوبات والحصار الغربي. لذلك كان فيديل واضحاً حين أعلن في عام 2001، أن راوول «الرفيق الذي يتمتع بأكبر سلطة بعدي وبأفضل خبرة وبالتالي فانه يتحلَّى بكل الصفات التي تخولّه ليخلفني».
ويتصّف راوول بأنه رجل دولة إصلاحي من الطراز الأول، إذ إن حسّه الفكاهي وحبّه للحياة، يجعلانه أكثر براغماتية، ما ينعكس على رؤيته الاقتصادية؛ ولعلَّ أهم ما قام به في هذا المضمار تطبيق إصلاحات مستلهمة من التجارب الصينية والفيتنامية التي سيطرت علىاإهتماماته خلال زياراته المتكرّرة الى بكين وهانوي.
ومنذ أن خلف شقيقه «مؤقتاً»، أبدى راوول ميله الى التغيير البراغماتي «ضمن الاستمرارية» الاشتراكية. وحث الكوبيين، في خطاب ألقاه في 26 تموز 2007، على الخوض في مشكلاتهم «بصدق وشجاعة»، الأمر الذي قام به الملايين إثر ذلك في مواقع العمل والأحياء.
لكنه نبَّه إلى أنه لن يتحقق شيء «خارق للعادة» وأن التغيرات ستحصل «رويداً رويداً» لأنه يتعّين أن يتوصل الكوبيون الى «توافق»، مشدداً على أن النظام «ينبغي أن يكون أكثر ديموقراطية».
وكان نتيجة هذه السياسة، موافقته على الإفراج عن أربعة منشقّين صدرت بحقهم أحكام قاسية عام 2003 وأبعدوا وعائلاتهم الى إسبانيا.
أما بخصوص رؤيته للعلاقة مع الولايات المتحدة، فقد عبر عن ذلك منذ عام 2001 حين دعا الى تطبيع العلاقات مع واشنطن. وقد كرَّر هذا العرض في العام الماضي مرتين؛ الأولى في ذكرى العيد الوطني الكوبي في 26 تموز، والثانية في 2 كانون الأول، قائلاً خلال احتفالات العرض العسكري في هافانا «أستغل هذه الفرصة لأعرب عن استعدادنا لتسوية الخلاف بين كوبا والولايات المتحدة على طاولة المفاوضات شرط قبولهم باحترام سيادتنا وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية».
وبموجب قرار الجمعية الوطنية الكوبية، التي اجتمعت أمس لانتخاب الرئيس، أصبح راوول خلفاً لفيديل، لكن برؤية براغماتية لم يحن الوقت بعد للحكم على نتائجها.