حسام كنفاني
خلال الأشهر التالية لعملية الحسم العسكري لـ«حماس» في قطاع غزة، يمكن تعداد ما يربو إلى خمس مبادرات لإعادة الحوار الداخلي بين الطرفين المتنازعين على السلطة. والمبادرة الموحّدة للفصائل الفلسطينية لن تكون الأخيرة في هذا السياق، ما دام مصير سابقاتها يخيّم عليها في ظلّ التمترس «الفتحاوي» و«الحمساوي» خلف مطالب متحجرة لا يحيدان عنها.
«إلقاء المبادرة على عاتق الشعب الفلسطيني»، هذا هو الخيار الفصائلي اليوم إذا استمر رفض «فتح» و«حماس» لدعوات الحوار. لكن قد يكون السؤال عن قدرة الشعب على تحمّل مثل هذا العبء، وهو الرازح تحت نير نهجين متناقضين في الضفة الغربية وقطاع غزة. والطرفان لا يوفران فرصة لقمع أي تحركات شعبية مضادة إذا لم تكن تصبّ في صالح توجهاتهما.
نصيب المبادرة الجديدة ستصطدم حتماً بالجدار المنصوب على آذان القياديين في حركتي «حماس» و«فتح». ولا ترى كلٌّ من الحركتين بغير طريقها «الحق» الذي يجب على الجميع السير فيه، وبالتالي لا حاجة إلى أي مبادرة لا تعيد الطرف «المنقلب» إلى جادّة الصواب، بغض النظر عن أي معاناة «جانبية شعبية» قد تنتج من هذا التعنت، ما دام كلٌّ منهما يرمي كرة الرفض أو القبول في ملعب الآخر.
القابعون اليوم في رام الله لا يرضون بغير مفاوضات السلام بديلاً لحلّ الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي، وهو الوسيلة لإنشاء «الجنة» على أرض الضفة الغربية، كما وعد مبعوث اللجنة الرباعية الدولة، طوني بلير، وهو العالم ببواطن مشاريع الدول المانحة، ما دام المسؤول عن متابعة تنفيذ هذه المشاريع.
عباس اليوم لا يرى غير هذه «الجنة» أمامه، وهو غير مستعد للتخلي عن الصورة التي رسمها لها في مخيلته، حتى وهو يسمع التصريحات الإسرائيلية اليومية عن استبعاد التوصّل إلى اتفاق شامل نهاية العام الجاري، ولا الـ 600 ألف مستوطن المتناثرين في القدس المحتلة والضفة الغربية ولا جدار الفصل المتلوّي على الأراضي الفلسطينية ولا التوغلات وعمليات الدهم والاغتيالات من الممكن أن تغيّر من «الخيار السلمي» لأبو مازن، رغم أنها تحوّل حياة فلسطينيي الضفة الغربية إلى جحيم لا يطاق.
أما المتحكّمون في قطاع غزة، فلا يختلفون كثيراً عن سلطة رام الله. فـ«حماس» أيضاً غير مستعدّة للتنازل عن سطوة السلطة، وبالتالي كسر هيبتها التي كرستها عملية الحسم العسكري، وبالتالي فأي مبادرة لا تراعي مكتسباتها الانتخابية والسياسية والعسكرية لن تجد طريقها إلى القبول. والحركة أيضاً تعمل إلى «الجنة»، لكن عبر قطاع غزة. فالقطاع بات «قاعدة للمقاومة وكسر مشروع عباس للتنازل عن الحق الفلسطيني، تمهيداً لإقامة الدولة على أراضي فلسطين التاريخية».
لكن لا بد للحركة الإسلامية في عملها لـ«الجنة» أن تراعي قليلاً الوضع على الأرض. فشعب القطاع اليوم يعيش جحيم الحصار وانقطاع التيار الكهربائي ونفاد الوقود والغارات والتوغلات اليومية وقوافل الشهداء. ورهان الحركة على شعبيتها قد لا يدوم طويلاً، فالجرعات الإيديولوجية اليومية لا تغني عن الخبز اليومي المفقود.