معمر عطوي
بدت نبرة «الوحدة» واضحة في خطاب الرئيس الشيوعي الجديد للجزيرة القبرصية ديمتريس خريستوفياس، بعد فوزه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية متقدماً على منافسه المحافظ وزير الخارجية السابق يوانيس كاسوليدس.
لكن فوز خريستوفياس، أول رئيس شيوعي في دولة من دول الاتحاد الأوروبي، لا يعني أن البلاد ستدخل ابتداءً من تسلّمه مهامه وقسمه اليمين الدستورية، مرحلة تأميم الصناعات والشركات، وإعادة توزيع الثروة بعدالة. هذا الأمر ربما أصبح ثانوياً في طروحات معظم الأحزاب الشيوعية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
فالرئيس الجديد للمستعمرة البريطانية السابقة، ملتزم مع حلفائه السياسيين برنامج «تسوية»، هو نتيجة لتحالف بين أضداد، الأمر الذي يجعل صورة الحكم المُقبل في غير مصلحة تطلعات حزب «آكيل» الشيوعي القبرصي المعروف بتشدّده.
لقد حظي رئيس البرلمان السابق بدعم الاشتراكيين الديموقراطيين «حزب ايديك» وحزب ديكو (وسط يمين) بقيادة الرئيس السابق الذي خرج من حلبة المنافسة من الدورة الأولى، تاسوس بابادوبولوس. دعم يقوم على تعاون بين هذه التيارات بما يشير بوضوح إلى تقديم كل منها تنازلات للآخر على حساب روزنامته الاقتصادية، وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية بالتحديد.
لكن ثمة عائق أهم أمام الحزب الشيوعي، يتمثل بعضوية قبرص في البرلمان الأوروبي. عضوية من شأنها أن تمنع الرئيس الأحمر من تغيير وجه الجزيرة كما يريد. ربما لجأ إلى التغيير التدريجي على غرار رفيقه في فنزويلا هوغو تشافيز. لكن بحكم نفوذ اليمينيين المدعومين من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وبحكم انتماء الجزيرة للاتحاد الاوروبي، واستضافتها قواعد عسكرية غربية إضافة إلى قضية التقسيم، كل ذلك من شأنه دفع الرئيس للبحث عن توليفة تجمع بين اقتصاد السوق والتعددية السياسية وتعزيز القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية والنقابات.
لعلَّ إشكالية الشيوعي الأول الذي يترشّح للرئاسة في تاريخ حزبه، هي في أنه لا يمتلك الفرص المشجِّعة بسبب عدم ميل حزبه إلى اقتصاد السوق والعولمة أو اعتماد اليورو، بما لا ينسجم مع عضوية الجزيرة في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن جنوحه نحو وريثة الاتحاد السوفياتي، روسيا، حيث تلقى دراسته الجامعية، قد يؤدي دوراً في ازدياد العوائق التي ستقف أمام تحقيق تصوراته المستقبلية للجزيرة.
لقد اعترف خريستوفياس بهذه الصعوبات أمام صور تشي غيفارا التي رفعها المحتفون بنصر الشيوعية بقوله: «غداً يوم آخر وسنواجه العديد من الصعوبات».
وقد يكون الهاجس الأول بالنسبة إلى أستاذ فلسفة التاريخ هو توحيد الجزيرة، إذ إن رابطاً عاطفياً يدفع الرجل في السير بهذا المشروع، نظراً لأنه مولود في كيرينيا (الشطر الشمالي
التركي).
مهما يكن، فإن الانتخابات حملت مفاجأة على المستوى الأوروبي. قد لا تظهر تداعيات هذه المفاجأة في المدى القريب، لكن المشهد السياسي القبرصي ـــــ بأي حال ـــــ قد تخضَّب باللون الأحمر.