حسن شقراني
تندرج في عداد الأدوات المستخدمة في الحرب السياسيّة التي تشهدها تمهيديّات الانتخابات الأميركيّة، تلك المتعلّقة بالمعايير الأخلاقيّة وبتشويه صورة الخصم وتجريدها من أيّ مقوّمات أساسيّة لدى الطموح في أميركا الخائفة من الإرهاب.
صورة لباراك أوباما مرتدياً زياً إسلامياً من «العالم الثالث الذي يخرّج إرهابيّين»، مثّلت خير أداة تستغلّها حملة «الطموحة» هيلاري كلينتون ضدّ خصمها الأسود. فالديموقراطيّانيعيشان مرحلة حاسمة ستحدّد على ما يبدو في الرابع من الشهر المقبل، من سيفوز ليمثّل الشقّ الديموقراطي من الأمّة في الانتخابات الرئاسيّة، بعد 9 أشهر. وهذه المرحلة تقتضي ما يمكن تصوّره وما لا يمكن. ولجوء السيّدة الأولى سابقاً إلى هذا السلاح، الذي ينمّ عن يأس و«انخراط في دوّامة مخزية»، حسبما قال مدير الحملة الانتخابيّة لأوباما، دايفيد بلوف، يمكن تبريره بتطوّرين مهمّين سبقا نشر الصورة التي التقطت في كينيا قبل عامين.
الأوّل يكمن في أنّ عناصر كثيرين في داخل الحملة الانتخابيّة لكلينتون أصبحوا يتشكّكون في حجم الأمل الباقي للمرشّحة البيضاء في الحصول على بطاقة ترشيح الحزب الديموقراطي، وخصوصاً أنّ أوباما حصد خلال الفترة الأخيرة 11 فوزاً تمهيدياً متتالياً، بينها الدفعة المعنويّة الكبيرة التي أمّنتها له أصوات ديموقراطيّي الخارج.
وحتّى زوج هيلاري، الرئيس السابق بيل، أعرب عن اعتقاده بأنّ الجولتين التمهيديّتين في ولايتي تكساس وأوهايو، تعدان حاسمتين «وعليها الفوز» فيهما لإبقاء آمالها قائمة في السباق الطويل.
أمّا التطوّر الثاني، فهو ضربة قاضية لصدقيّة هيلاري، وجّهها أوباما خلال عطلة نهاية الأسبوع. ففيما التأييد لكلينتون بين الفئات العاملة (سوادهم الأعظم رجال بيض من ذوي الدخل المحدود: دون الـ50 ألف دولار سنوياً) دخل في مرحلة تراجع أكّدتها النتائج التي ظهرت في ولاية ويسكونسين الأسبوع الماضي، استخدم أوباما عامل «تأييد هيلاري» اتفاقيّة التجارة الحرّة في أميركا الشماليّة، «نافتا». ولفت بالتالي نظر الأميركيّين البيض «ممن يؤيّدونها» إلى أنها كانت من المروّجين لاتفاقيّة أدّت إلى فقدان الأميركيّين أكثر من مليون وظيفة منذ عام 1994، وتراجعت عن ذلك الموقف قبيل ترشّحها للانتخابات.
وبالتالي، وبعدما حُقّقت الإنجازات الكبيرة من خلال الاعتماد على ذوي الدخل المحدود وغير الحائزين شهادات جامعيّة، وعلى العائلات التي ينتمي فرد واحد فيها على الأقلّ إلى نقابة عماليّة، التفت بعين القلق والريبة، كلّ من في محيط هيلاري، إلى هذه الإشارة الخطيرة التي أطلقها أوباما. وهي تطرح، إلى جانب «تأييد هيلاري لما أفقد الأميركيّين وظائفهم»، فكرةً أخرى تتعلّق بالصدقيّة، وهي شبيهة جداً بتلك التي قُيّم على أساسها موقف هيلاري بالنسبة لاجتياح العراق.
فقد أورد أوباما في حجّته الهجوميّة أنّ «زوجها هو الذي مرّر قانون نافتا... وفي كتابها الخاص (سيرتها الذاتيّة: «تاريخ عشته») وصفت السيناتور كلينتون الاتفاقيّة بأنّها واحدة من إنجازات بيل وانتصاراته التشريعيّة». غير أنّ المتحدّث باسم كلينتون، فيل سينغر، ردّ بالإشارة إلى أنّ المرشّحة الديموقراطيّة قالت خلال خطاب في آذار عام 2000، «أعتقد أنّنا ورثنا اتفاقيّة لم (نربح) منها كلّ ما يجب أن نحظى به... لذا أعتقد أنّ الاتفاقيّة تشوبها عيوب».
ولكن «تاريخ عشته» ظهر إلى القرّاء في التاسع من حزيران عام 2003!... تباين في المواقف أصبح معتاداً لدى السيناتور عن نيويورك.
يمكن لكلينتون أن ترفع إلى السقف الأعلى كم أوباما «غير خبير» في القضايا الدوليّة. وآخر مآثرها كان تشبيهها له بالرئيس جورج بوش لدى تسلّمه البيت الأبيض عام 2001. «يحتاج إلى كتيّب خاص بالإرشادات عن السياسة الخارجيّة» قالت عنه أوّل من أمس في جامعة جورج واشنطن، ولذلك فهو يُعد «تهديداً للأمن القومي الأميركي»، وانتخابه سيولّد «النتائج الدراماتيكيّة» نفسها التي أعقبت انتخاب بوش الابن، على حدّ تعبيرها.
إلّا أنّ ما تتجاهله هيلاري، ويُعد إهانة لا فقط لأوباما بل لمؤيّديه، هو أنّ منافسها اللدود، بلونه الأسود وزيّه الإسلامي الذي ارتداه احتراماً لمجتمعه الكيني، يراكم باطّراد تأييداً متزايداً في صفوف الديموقراطيّين. وحسبما أوضحت دراسة إحصائيّة أعدتّها مجلّة «تايمز» وشركة «سي بي أس» الإعلاميّة، وظهرت أمس، فإنّ 54 في المئة من الناخبين الديموقراطيّين التمهيديّين يرغبون في رؤية أوباما مرشّحاً عنهم إلى الرئاسيّة الأميركيّة، فيما 38 في المئة منهم أيّدوا لكلينتون.
وبحسب الإحصاء نفسه، فإنّ 6 ديموقراطيّين من أصل 10 يرون أنّ أوباما هو الذي يتمتّع بالحظوظ الأكبر في المعركة المرتقبة مع الجمهوري جون ماكاين، الذي أصبح محسوماً نيله بطاقة حزبه. كذلك رأى 63 في المئة من المستطلعة آراؤهم، أنّ المرشّح الأسود يهتمّ كثيراً بهم، و7 من أصل 10 من بينهم يرون أنّه يلهمهم في شأن مستقبل البلاد، و75 في المئة منهم يرون أنّه قادر على توحيد البلاد من خلال تولّي رئاستها.
في السابع من كانون الثاني من العام الجاري، وقبل أقلّ من يوم من انتخابات ولاية نيو هامبشير، لجأت هيلاري إلى الدموع كي تعكس وجهة التوقّعات التي افترضت حينها أنّ أوباما متقدّم عليها بطريقة مفاجئة وبفارق واسع (شهقت خلال الإجابة على سؤال: «كيف تستطيعين فعل كلّ ذلك... المثابرة في العمل السياسي والمحافظة على (رونق) شعرك؟»). والنتيجة كانت أن فازت في الولاية المذكورة.
واليوم يتكرّر اللعب بمشاعر الأميركيّين من خلال التطرّق إلى موضوع بالحساسيّة نفسها، وإن كانت شريحة المتأثّرين به أوسع من فئة النساء اللواتي تعتمد هيلاري عليهنّ وعلى تأثّرهنّ. الموضوع هو إظهار شخصيّة مرشّحة لقيادة «أميركا المستقبل» بهيئة «شخصيّة إسلاميّة آتية من القرون القديمة»... أياً يكن من سرّب الصورة التي لا شكّ ستفيد ماكاين في ما بعد إذا نجح أوباما في نيل ترشيح حزبه (ماكاين من المنادين بأولويّة الأمن القومي ومن دعاة مواصلة الحرب على الإرهاب)... الأكيد هو أنّ ما حدث يفتقر إلى الاحترام.

ما تتجاهله بأرق هيلاري، ويُعدّ إهانة لا فقط لأوباما بل لمؤيّديه، هو أنّ منافسها اللدود، بلونه الأسود وزيّه الإسلامي الذي ارتداه احتراماً لمجتمعه الكيني، يراكم باطّراد تأييداً متزايداً في صفوف الديموقراطيّين. وحسبما أوضحت دراسة إحصائيّة أعدّتها مجلّة «تايمز» وشركة «سي بي أس» الإعلاميّة، فإنّ 54 في المئة من الناخبين الديموقراطيّين التمهيديّين يرغبون في رؤية أوباما مرشّحاً عنهم إلى الرئاسة الأميركيّة