حسام كنفاني
انتهت الأزمات في قطاع غزة. خرجت الضفة الغربية من مشنقة الاحتلال والاستيطان. صار بوسع الفلسطينيين التلهي بالمناكفات الداخلية والصراع على صفتي «الشرعية والظلامية» كما يحلو لهم.
الأمر ليس على هذا النحو، لكن هذا ما يبدو لمتابع الوضع الفلسطيني، حيث ازدادت وتيرة السجال الداخلي خلال اليومين الماضين، مشفوعة بتحركات ميدانية وتصريحات نارية تزيد الوضع الفلسطيني كآبة، وتؤكّد أن لا مبادرات حوار قادرة اليوم على إنهاء هذه الملهاة العبثية.
ولا يبدو أن الاعتداءات الإسرائيلية الميدانية والسياسية، مهما علا شأنها، سواء عبر الاغتيالات أو الاجتياحات أو الاستيطان، ستنجح في زحزحة الطرفين عن «حفل التناطح» الذي يخوضانه. وإذا كانا يعربان عن «قلقهما» من التنكيل الإسرائيلي حجراً وبشراً، فإنهما لا ينفكان يعطيان الاحتلال ذرائع تفتح الباب أمام مزيد من إجراءات التنكيل.
هذا كان دأب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس، حين أغمض عينيه عن فشل التفاوض وصمّ أُذنيه عن أصوات الجرافات العاملة على توسيع مستوطنات الضفة الغربية، ليقود حملة تحريض على «حماس»، متناسياً أن مليون ونصف مليون بشري مرتبطون اليوم بأي إجراء تتخذه إسرائيل أو السلطة تجاه الحركة الإسلامية.
«أنا أعتقد أن القاعدة موجودة في الأراضي الفلسطينية وتحديداً في غزة. والذي جاء بالقاعدة حركة حماس، والذي يساعدها على الدخول والخروج بالطرق المعروفة هو حركة حماس. أعتقد أنهما حليفان». مثل هذا التصريح من الممكن ببساطة أن ينسب إلى وزير الأمن الإسرائيلي آفي ديختر أو رئيس جهاز «الموساد» مائير دغان، فيأتي في سياق منطقي لحملة تحريض إسرائيلية على الحاكمين في قطاع غزة، ولا سيما أن رئيس الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، قال الكلام نفسه أول من أمس.
لكن قد لا يكون مفهوماً ولا مبرراً أن يصدر مثل هذا التصريح عن الرئيس، محمود عباس، الذي من المفترض أن يكون رئيس الشعب الفلسطيني بأطيافه كافة، ولا يندرج ضمن مهماته التحريض على فئة دون أخرى. والخلاف بين أبو مازن و«حماس» لا يمكن أن يسمح له بأن يأخد مئات آلاف الفلسطينيين بجريرة هذا الخلاف والمراهنة على دمائهم لإنهائه.
وبغض النظر عن تبنيه المعادلة الإسرائيلية لرفع الحصار عن القطاع في مقابل وقف «الصواريخ العبثية»، فإنه لا يزال متمسكاً بنفض اليد من أي دور في رفع الإغلاق عن القطاع ما لم تكن له الكلمة الفصل في إدارة المعابر مع مصر وإسرائيل، رغم أن سلطات الاحتلال ترفض ذلك.
في المقابل، المشهد عند «حماس» ليس أشفى حالاً. فالحركة التي من المفترض أنها تخوض «معركة وجود» في وجه القوات الإسرائيلية، فضلت أمس تغيير وجه البندقية لتصويبها نحو سلطة رام الله. وللمرة الأولى، لمّحت الحكومة المقالة إلى إمكان إسقاط «الانقلاب الأسود على الشرعية في الضفة الغربية». وكأن الحركة لا يكفيها البؤس الذي جلبته إلى غزة، حتى تفكّر في نقله إلى الضفة الغربية.