strong>أرنست خوري
في عزّ الجدل الحامي الذي تعرفه تركيا هذه الأيّام حول السماح بارتداء الحجاب الإسلامي في الجامعات، تُفضَح أسرار نوعيّة في تاريخ الجمهورية من شأنها تقديم الحجّة القوية لمعسكري المدافعين والمعارضين لارتداء الحجاب.
آخر تلك القصص الغريبة التي قد لا تحدث إلّا في تركيا، كشف النقاب عن فصول في حياة لطيفة حنيم. ومن تكون تلك السيدة؟ ليست سوى زوجة مصطفى كمال اتاتورك. ليس مفاجئاً أن يكون اسمها غير مألوف عن بعض الأتراك حتى، فحياة هذه المرأة ــــــ اللغز، بقيت بعد طلاقها عام 1925 من جنرال تركيا ومؤسّسها، أشبه بـ«سرّ دولة». أصرّت حنيم على أن تقاطع الإعلام وتطلّق الحياة العامّة مع طلاقها من أتاتورك. حتّى رسائلها الخاصّة، استطاعت أن تحافظ على سريّتها، وذلك بقرار قضائي منحها حق منع نشر أي شيء عنها لمدة 25 عاماًَ. وحتى بعد انقضاء 22 عاماً على وفاتها، لا تزال أسرارها محفوظة لدى «مؤسّسة تاريخ تركيا» ومُقفَل عليها بإحكام. لكن منذ أيّام، نشرت صحيفة «دايلي توركيش نيوز» تحقيقاً موسّعاً عن السيدة السابقة لتركيا. تحقيق مبني على الأرشيف الأميركي الحكومي، كما على معلومات نادرة عن حنيم، حملت مفاجأة من العيار الثقيل لمتتبّعي الجدل الإسلامي العلماني الحالي. فصدّق أو لا تصدّق، زوجة أتاتورك كانت تظهر في المناسبات العامّة وعلى رأسها حجاب (ليس الكامل بل ذلك الذي يغطّي معظم الرأس ويُربَط تحت الذقن). حتى إنّ موقفها المتسامح تجاه الزيّ الإسلامي، قد يكون أدّى دوراً رئيسيّاً في طلاقها من الرئيس على خلفيّة القوانين المتشدّدة علمانياً التي أصدرها الأخير، والتي هدفت إلى تغيير طبيعة وتركيبة المجتمع التركي المسلم.
المفارقة أنّ لطيفة حنيم، كانت نموذجاً للفتاة البورجوازية المتحدّرة من عائلة تجّار من كبار أثرياء مدينة إزمير. أكثر من ذلك، قضت حنيم الجزء الأكبر من حياتها في أوروبا، متنقّلة بين سويسرا ولندن وباريس، حيث حصّلت شهادة علوم سياسيّة من جامعة الـ«سوربون». كانت حنيم متشبّعة من الثقافة الأوروبيّة الغربيّة، وهو ما انعكس على أزيائها ونمط عيشها: كانت تقود السيارة وتعزف البيانو وتتقن اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية. لكن يبدو أنّ شيئاً من نوع الحكمة جعل المرأة تدرك، بعدما أصبحت السيدة الأولى في بلادها، أنّ عليها عدم استفزاز مجتمعها المحافظ كما فعل زوجها وخلفاؤه. وتؤكّد معلومات وردت في كتاب جديد صدر لرأفت بالي، عنوانه «وثائق جديدة من أتاتورك: أتاتورك في عيون الدبلوماسيّين الأميركيّين»، ومستقى من رسائل قنصل واشنطن السابق لدى إسطنبول في عهد «أب الأتراك»، الأدميرال بريستول، أنّ لطيفة التزمت نمط حياتها الغربي بالكامل في حياتها الخاصّة، لكنها كانت تظهر في المناسبات العامّة المحافظة وهي مرتدية الحجاب مع فستان طويل.
والإثارة في الموضوع هي ما ينقله بريستول عن «الروايات» المحتملة عن أسباب طلاق الزوج مصطفى ــــــ لطيفة. ثلاث نظريّات تتنازع الصحّة: الأولى تلفت إلى تذمّر السيدة حنيم من سلوك زوجها الذي كان يكثر من شرب الكحول والبقاء حتى وقت متأخّر ليلاً خارج المنزل. وهو ما كان يغيظ زوجته التي كانت تريد أن تعيش «حياة طبيعية»، بالتالي «لم تحتمل زوجها على ما هو عليه». الأطروحة الثانية تعيد أساس المشاكل الزوجية إلى الأثر الذي تركه انتحار زوجة أتاتورك السابقة، فكريّة، على علاقة الرئيس بلطيفة. أمّا الرواية الثالثة التي يرجّحها الدبلوماسي الأميركي في رسائله وأوراقه الخاصة، فمفادها أنّ لطيفة لم تكن سعيدة بـ«منع أتاتورك الناس من ارتداء الأزياء حسب أذواقهم». وبحسب الأرشيف الأميركي، فإنّ إحدى رسائل لطيفة التي أُرسلَت لتُنشَر في «مجلة بوسطن غلوب»، احتوت على انتقادات حادّة للقانون الذي أقرّه زوجها في منع ارتداء بعض الأشكال من الأزياء (الإسلامية) بحجّة أنّ «للناس أن يختاروا بحرية ماذا يرتدون وليس بإمكان الدولة وليس عليها أن تصادر حريتهم هذه».