strong> حسن شقراني
5 ملايين يورو كانت كافية لحصول جواسيس ألمان على قرص إلكتروني يحتوي على معلومات عن مواطنين يشتبه في استخدامهم لمؤسّسات ماليّة تتّخذ من الجنّة الضرائبيّة، ليشتنشتاين، مقراً لها، من أجل التهرّب من دفع ضرائبهم في أوطانهم.
السعي للحصول على معلومات شبيهة ليس حديثاً. فمنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية وانتقال الإمارة الجبليّة في غرب أوروبا، من اقتصاد يعتمد على القطاع الزراعي، إلى مركز مالي أهميّته تقوم على السريّة المصرفيّة، وحكومات أوروبا والعالم تبحث أساليب لدفع الأرض السابقة في «الإمبراطوريّة الرومانيّة المقدّسة» (أسّس ليشتنشتاين الإمبراطور الروماني تشارلز السادس عام 1719 من خلال توحيد فادوز، العاصمة الآن، وشيلينبرغ، وذلك قبل انهيار الإمبراطوريّة الأوروبيّة عام 1806 خلال الحروب النابوليونيّة)، إلى الكشف عن أسرار حسابات مشبوهة. غير أنّ السلالة الأميريّة، بالتنسيق مع الحكومة ومجلس النوّاب الصوريّين، ترفض التسليم بما يميّز البلاد.
وثغرة فضح المعلومات التي بدأت في ألمانيا امتدّت لتشمل 13 بلداً، تقوم دوائر التحقيقات الماليّة فيها بتعقّب مشبوهين. فأوّل من أمس، انضمّت الولايات المتّحدة وأوستراليا إلى قائمة «دول مطعونة مالياً من قبل بعض أبنائها»: إدارة الضرائب الأميركيّة تحقّق في سلوك 100 أميركي دافعين للضرائب... السلطات الأوستراليّة أطلقت تحقيقاً في عشرين حالة يحتمل أن تكون متورّطة بمبالغ تصل إلى «ملايين الدولارات»... وزارة الماليّة الفرنسيّة أعدّت «لائحة تضم مئات الأسماء».
والحسابات قيد التمحيص موجودة في وحدات تابعة للشركة الماليّة «ال جي تي غروب»، التي تملكها الأسرة الحاكمة، والتي تدير أكثر من 100 مليار فرنك سويسري (93 مليار دولار) (بحسب موقع الشركة على شبكة الإنترنت). كما يجري البحث في حسابات مسجّلة في مصرف أجنبي آخر، على حدّ تعبير المدّعي العام الألماني، هانس أولريش كرويك، ربّما يكون تابعاً لمجموعة المصارف السويسريّة «فونتوبل»، في ليشتنشتاين، حسبما ذكرت صحيفة «سويدوتشيه تزايتونغ».
التطوّر الذي طرأ على القضيّة أمس، تمثّل في تحديد السلطات في فادوز، الموظّف السابق في «ال جي تي غروب»، هاينريخ كايبر، كمشتبه به أساسي (إلى جانب آخرين لم تحدّد أسماؤهم). قام بسرقة معلومات قيّمة من المجموعة، طبعها على أقراص «دي في دي» قبل تركه وظيفته والبلاد في تشرين الثاني عام 2002، بعد 20 شهراً من تولّيه منصب موظّف ثابت.
غير أنّ اللافت في قضيّة كايبر، الذي لا يزال مكانه مجهولاً حتّى الآن، هو أنّ السلطات الإسبانيّة أصدرت بحقّه مذكّرة توقيف دوليّة عام 1997، تبعتها غرامة ماليّة في ليشتنشتاين، قيمتها 600 ألف فرنك سويسري (550 ألف دولار). فكيف تمّ توظيفه في «ال جي تي غروب» أساساً وخصوصاً أنّ هذه الشركة ملك للعائلة الحاكمة؟ وشبهات الفساد التي قد تحيق بها، ستلحق الأذى بالإمارة على صعيد رسمي.
الأسبوع الماضي، وصف أمير ليشتنشتاين، ألوا (39 عاماً)، التحقيق بأنّه «هجوم» على الإمارة، وهو كان قد شدّد في مقابلة قبل عامين (ذكّرت بها شبكة «بلومبرغ» الإعلاميّة) على أنّ شعبه سيواجه أيّ محاولة هجوميّة تستهدف السريّة التي يتمتّع بها القطاع المصرفي.
وليس غريباً أن يكون التصريح حاداً إلى هذه الدرجة، فـ26 في المئة من اقتصاد ليشتنشتاين (الذي تبلغ قيمته 4 مليارات دولار) يعتمد على القطاع المالي، وهي نسبة تبلغ ضعف نظيرتها في سويسرا.
غير أنّ ما يميّز الإمارة عن سويسرا والنمسا (على سبيل المثال)، رغم تمتّع النظام المصرفي في البلدان الثلاثة بالسريّة، هو أنّ ليشتنشتاين، لا تتعاون مع الدول الأخرى في شأن التحقيقات الماليّة المتعلّقة بالتهرّب الضرائبي. وهذا الأمر تحديداً دفع السلطات الألمانيّة إلى اقتفاء أثر الفساد من خلال الأجهزة الاستخباريّة. وقد كشفت القرص الذي ظهر إلى العلن عن أسماء 1400 زبون متورّط.
ورغم الجهود التي بذلتها في الآونة الأخيرة لمواجهة تبييض الأموال عبر الشركات الموجودة على أراضيها، لا تزال ليشتنشتاين متمسّكة بميزة السريّة المصرفيّة المشدّدة، وتحذّر كلّ من يستغلّ التحقيقات الجاريّة للضغط في هذا السياق، من أنّها لن ترفعها. وهو ما أكّد عليه رئيس لجنة المصارف، مايك لوبر، وحتى إن لفت إلى إمكان «التعاون» مع الاتحاد الأوروبي... غير أن للشفافيّة حدوداً!