إيلي شلهوب
تراقب إدارة جورج بوش (أو من بقي منها)، مكبّلة اليدين، انهيار استراتيجيتها في التعامل مع إيران. تعض الأصابع على فرصة لم يتم انتهازها، وعلى مغامرة عسكرية تهاوت في جنوب لبنان. لا تزال مستاءة من أجهزة استخباراتها. وهي غاضبة، بلا شك، من محمد البرادعي.
استراتيجية قامت على مجموعة من الفرضيات، ثبت بطلان معظمها: إيران تتوق إلى تغيير نظامها. غير عقلانية ولا يمكن ردعها. معادية لأميركا بجوهرها. التخصيب يعادل القنبلة النووية. تسعى إلى تدمير إسرائيل. الضغط عليها يجدي. الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تأمينه إلا بعزلها.
انهيار تجلّى في عدم تحقيق هدفها المعلن: تعليق التخصيب، الذي زادت وتيرته مع تكاثر أجهزة الطرد المركزي وتطور نوعيتها، فضلاً عن إحياء مشروع بوشهر، والبدء بالتخطيط لإقامة مفاعلات جديدة. إخفاق بلغ حد إشادة المرشد علي خامنئي بحكمة محمود أحمدي نجاد، رغم المعارضة المتزايدة داخل إيران لسياسته النووية، التي كانت أبرز تجلياتها استقالة علي لاريجاني.
التلويح بالخيار العسكري لم يُجدِ نفعاً. بل إن الجهود الرامية إلى تشديد العقوبات انتهت إلى مبادرة لتجديد عرض الحوافز، الذي قدم في السادس من حزيران 2006، أي قبل نحو شهر من عدوان تموز.
عرض كان يقوم على مجموعة من المغريات، التي أرفقت بسلسلة من العقوبات جرى تنفيذ معظمها حتى يومنا هذا: تأكيد حق إيران بامتلاك طاقة نووية لأغراض سلمية، ومساعدتها على بناء مفاعلات تعمل بالماء الخفيف، على أن يتم التخصيب في مركز دولي في روسيا تكون طهران شريكاً فيه مع ضمانات لتدفق الوقود. دعم إقامة منتدى إقليمي للحكومات بهدف وضع ترتيبات أمنية إقليمية وتعاون في القضايا الإقليمية المهمة. دعم التكامل الكامل لإيران مع المؤسسات الدولية، وبينها منظمة التجارة العالمية. رفع العقوبات التي كانت مفروضة في ذلك الحين والمتعلقة بالطيران والنفط. إقامة شراكة طويلة الأمد بين إيران والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، وتعاون في مجال التكنولوجيا العالية التقنية.
حوافز رفضها الملالي في ذلك الحين، بعدما ثبت لهم أن صيرورة الأمور في المنطقة تجري لمصلحتهم، سواء في العراق وأفغانستان أو في لبنان وفلسطين. باتوا على قناعة بأن التصعيد واعتماد سياسة حافة الهاوية والمضي قدماً من دون مبالاة بالتهديدات، أكثر فعالية من استراتيجية المهادنة والحوار، التي اعتمدت في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي.
وقتها كانت المناخات مختلفة في إيران والمنطقة. اختلاف دفع طهران إلى عرض «صفقة كبرى» على واشنطن، في أيار 2003، رفضها بوش، المزهو بنشوة «النصر» على صدام حسين.
عرض تضمّن التقديمات الإيرانية التالية: شفافية نووية كاملة. دعم فعّال لاستقرار العراق. وقف أي دعم مادي لمجموعات المعارضة الفلسطينية. الضغط عليها لوقف العنف ضد المدنيين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة عام 48. دعم انتقال حزب الله إلى منظمة سياسية. المصادقة على المبادرة العربية للسلام.
تقديمات طلبت طهران مقابلها: الاحترام المتبادل. وقف الولايات المتحدة دعمها لتغيير النظام. إلغاء كل العقوبات. احترام المصالح الوطنية الإيرانية في العراق والعلاقة الدينية مع النجف وكربلاء. الوصول الكامل إلى التكنولوجيا السلمية النووية والبيولوجية والكيميائية. الاعتراف بالمصالح الأمنية الإيرانية المشروعة في المنطقة وما تتطلبه من قدرات دفاعية. ملاحقة مجاهدي خلق.
بادرة إيرانية تبدو أشبه بفرصة لن تتكرر، على المدى المنظور على الأقل. وعرض حوافز لا بد أن يلقى مصير سابقه. نجاد ماضٍ في سياساته، فيما يستعد بوش لتوضيب أمتعته. الأشهر المقبلة ليست سوى «إدارة أزمة»، إلا إذا قرر ابن والده تفريغ الشحنة الأخيرة من «جنونه».