strong>مي الصايغ
يميل إلى بوتين أكثر من بوش ويرى لندن «شيطان الشرّ» ويشكّك في الوحدة الأوروبية

مع تنصيبه رسميّاً أمس أوّل رئيس شيوعي لقبرص اليونانية، يطرح الكثير من المراقبين أسئلة عن قدرة ديمتريس كريستوفياس على الإيفاء بتعهداته، ولا سيما لجهة توحيد الجزيرة المقسّمة، في ظل التحالفات التي قد تقيّد برنامجه.
ورغم التمثيل الواسع لحزب «أكيل» في مجلس النواب منذ زمن طويل، وتشكيله رافعة للرئيس جورج فازيليوفي عام 1988 والرئيس السابق تاسوس بابادوبولوس في عام 2003، لم يبادر أكبر أحزاب الجزيرة إلى زج مرشحه الخاص في السباق الرئاسي، إلّا في الصيف الماضي، إذ قرر الانسحاب من الائتلاف الحكومي، والمضيّ بترشيح كريستوفياس في مواجهة شريكه بابادوبولوس.
وما كان على خريسيتوفياس إلا انتظار هزيمة بابادوبولوس في الدورة الأولى من الانتخابات، ليعود ويرمّم التحالف الثلاثي بين أحزاب «أكيل» و«إيديك» و«ديكو». تحالف أسهم في حسم المعركة لمصلحة الحزب الشيوعي.
وأمام هذا الواقع، يبدي المراقبون تفاؤلاً حذراً حيال هامش الحرية المتاح للرئيس المنتخب لطرح أجندته في ما يتعلق بالأزمة القبرصية، على أمل ألّا يكون كريستوفياس قد أقحم نفسه في التزامات مع بابادوبولوس في مقابل تجيير الأخير أصواته لمصلحته.
قلق دفع صحيفة «سيبرس مايل» الى الإعراب عن خشيتها من تحول كريستوفياس إلى رهينة بيد الأحزاب المتحالفة معه، محذّرةً من نفاد الوقت ومن عواقب الفشل، وداعيةً إلى اغتنام فرصة التسوية التي تلوح في الأفق. حتى إن بعض المراقبين لم يتردّد في اعتبار سياسة كريستوفياس قد تكون استمراراً لسياسة سلفه بابادوبولوس، لكن بوجه مختلف.
كريستوفياس، الذي شدّد طوال حملته على أنه الرجل القادر على «مد الجسور» بين المجموعتين اليونانية والتركية في هذه الجزيرة المتوسطية، يملك الصدقية لإعادة عملية السلام القبرصية إلى سكتها. وكانت علاقته برئيس الجانب القبرصي التركي محمد علي طلعت قد شهدت توترات على خلفية فشل الحزب «الشيوعي» في مساندة خطة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في عام 2004 بشأن توحيد الجزيرة، مع أن القبارصة الأتراك وافقوا على الخطة بغالبية كبيرة.
وأول غيث محاولات كريستوفياس كان اتفاقه على عقد لقاء قريب مع طلعت، الذي رأى أن نتائج الانتخابات القبرصية اليونانية «تحمل معها نافذة الأمل التي قد تكون الأخيرة لتوحيد الجزيرة»، مشيراً إلى أن «مرحلة جديدة من المفاوضات ستبدأ على الأرجح في نيسان المقبل، على أن تنضج التسوية في نهاية العام الجاري».
وفيما يصرّ طلعت على بدء المفاوضات من حيث انتهت، أي أن تمثّل خطّة أنان ركيزة لها، يرى كريستوفياس أن الخطة أصبحت من التاريخ. ويشير إلى «أن ما يجمع الطرفين هو دماء الأبطال القبارصة الأتراك واليونانيين على حد سواء الذين سقطوا ضحية شوفينية أطراف النزاع، والذين يدينون لهم بإعادة إحياء أواصر الصداقة والتعاون، وبناء دولة فدرالية موحّدة».
ويبقى على كريستوفياس الأخذ بالاعتبار رفض القبارصة اليونانيين الساحق لخطّة الأمم المتحدة، وعدم إغفال قضايا رئيسية يتعين حلها، مثل الأراضي المتنازع عليها، وإعادة الممتلكات إلى اللاجئين من القبارصة الأتراك واليونانيين، ووجود قوات تركية في شمال الجزيرة، ووضع دستور موحد للدولة.
التحدي الآخر لكريستوفياس سيكون تأليف الحكومة الجديدة وسياستها. وتفادياً للهلع الذي أثاره وجود رئيس شيوعي على رأس دولة أوروبية، سعى كريستوفياس إلى طمأنة رجال الأعمال على أنه لن يمس حرية السوق، لكنه يريد إنشاء إدارة تقوم بدور أفضل في مجال الرعاية الاجتماعية، وأن تكون ذات وجه إنساني. وهذا ما يفسر تمسك حزب «أكيل» بحقائب العمل والضمان الاجتماعي والاتصالات والأشغال.
ويميل حزب كريستوفياس إلى التشكيك في الوحدة الأوروبية وله تحفظات على حلف شمال الأطلسي، ويقيم علاقات قوية مع روسيا، والكثير من مسؤولي الحزب تلقوا دروسهم في الاتحاد السوفياتي السابق. ورؤية كريستوفياس للعالم أقرب إلى رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منها إلى الرئيس الأميركي جورج بوش أو رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون.
ويبقى السؤال: كيف سيدير كريستوفياس العلاقات مع كل من واشنطن ولندن، التي سبق أن وصفها بأنها «شيطان الشر» بالنسبة إلى الجزيرة.