باريس ــ بسّام الطيارة
دخلت فرنسا مع الدقائق الأولى للعام الجديد في حظيرة «التشدّد في منع التدخين»، وبات ممنوعاً إشعال لفافة في مطعم أو مقهى أو أيّ مكان عام أو خاص مقفل تحت طائلة العقوبة التي تطال المدخّن وصاحب المكان.
ومطلع كلّ عام، تصدر عن وزارة الداخليّة مجموعة من «البيانات الإحصائيّة» تبيّن بالأرقام مجمل حوادث السنة السابقة. وقد أُضيف إليها هذه السنة بيان يشير إلى «تجاوب الفرنسيين مع تطبيق قانون منع التدخين» بعد يومين من بدء العمل به.
البيانات تضمّنت أيضاً تقريراً مفصّلاً عن عدد السيارات التي أُحرقت خلال عام 2007، وقد تجاوز عددها الـ٤٠ ألف سيارة، وهو ما جعل «نكتة بداية السنة الجديدة» على مواقع الإنترنت الفرنسيّة المهتمة بالشؤون الاجتماعية، «أطفئ سيجارة وأشعل سيارة»، رغم عدم «وجود رابط علمي بين هذه الآفة الصحية وذاك الفعل غير المدني».
وبحسب هذه الأرقام، فإنّ فعل «حرق السيارات» لا يقتصر على حوادث «ثورة الضواحي» مثلما حصل قبل عامين أو في «فيليه لوبيل» قبل شهر ونصف الشهر، خلال أعمال الشغب الاحتجاجية في الضواحي، بل هو من أعمال العنف المتأصّلة منذ سنوات في المجتمعات المتقدّمة.
80 سيّارة تُحرق يومياً في فرنسا. ويمكن تقسيم هذه الأعمال إلى أربعة أنواع: «الحرائق الاحتجاجية» وهو ما شهدته الضواحي، و«الحرائق الاحتفالية» التي تقوم بها مجموعات ترى نفسها مهمّشة في المجتمع وهي في غالبيّتها من ذوي الدخل المحدود والعاطلين من العمل وتسكن الضواحي وتجد في حرق السيارات، التي تمثّل في الضاحية «معلم ربط بين المدينة الغنية والضاحية الفقيرة»، التعبير الأفضل عن رفضها للتهميش والاستبعاد عن «المناسبة التي يحتفل فيها المجتمع». وقد ينتقل هؤلاء المهمّشون إلى المدينة في المناسبات الكبرى فيحرقون سيارات في عمليات «وشم وثني» تشير إلى مرورهم بتلك المدينة الممنوعة عليهم في الأيّام العادية. وقد أحرقت في ليلة رأس السنة الأخيرة ٣٧٢ سيّارة في فرنسا، بينها ١٠٢ سيّارة في محيط العاصمة رغم وجود ٤٥٠٠ شرطي.
أما الصنف الثالث فهو مرتبط بأعمال سرقة السيّارات، إذ تُحرق السيّارة بعد «تشليحها» كلّ المعدّات الإلكترونية واللوازم التزيينيّة القابلة للبيع في السوق السوداء، فيتمّ محو بصمات المشاركين في الجنحة وكل أثر يمكن أن يتركوه.
وفي بعض الأحيان يكون حرق السيّارة هو النهاية السوداء لجولة «روديو»، وهو التعبير المستعمل عندما يسرق «شباب الضواحي سيارة» ويقودونها بسرعة جنونية في أحياء «معاقلهم» قبل أن «يطلقوها نحو واجهات محال تجاريّة».
ويتداخل عاملا الفقر والبطالة في مكوّنات الأصناف الثلاثة المذكورة بعكس الصنف الرابع من حرائق السيارات، الذي يطال تقريباً معظم شرائح المجتمع ويمكن تسميته «حرائق التأمين»: حين يلجأ أصحاب السيارات إلى حرق سياراتهم للحصول على تعويضات شركات التأمين. وتقدر أوساط الشرطة أن ما يزيد على ١٥ في المئة من حرائق السيارات يرتبط بجنح الاحتيال على شركات التأمين. وهي تحصل دائماً في الفترات «الساخنة» إذ يعمد أصحابها إلى الاستفادة من «أجواء الحرائق الأخرى» لإضرام النار في سيّاراتهم. وتتحدّث أوساط مقربة من الشرطة عن «عصابات تبيع خدماتها» لمن يرغب في إحراق سيّارته لقبض بوالص التأمين، في مقابل نسبة مئوية.
قد يكون في هذا إشارة إيجابيّة إلى أنّ «التواصل والعلاقة» بين المجتمعات العليا والدنيا لا تزالان قائمين وإن على حساب الحسّ المدني الغائب أحياناً لا عن «شباب الضواحي» فقط بل أيضاً عن «برجوازيّات المدن»، أي إنها مقاربة «سوسيو ـــــ خيالية» بين من يحرق سيجارة وبين من يحرق سيارة.