بغداد ـ زيد الزبيدي
يجمع العراقيون على أنّ الوضعية النهائية لمدينة كركوك هي من أعقد القضايا في عراق ما بعد الاحتلال. وجاء تأجيل تنظيم الاستفتاء، الذي كان مقرّراً نهاية العام الماضي، لحسم وضعيتها النهائية بحسب المادّة 140 من الدستور، ليعقّد المشكلة بالنسبة إلى البعض، وليطفئ شرارة الفتنة بين الأكراد والعرب والتركمان بالنسبة إلى البعض الآخر

لا تختلف المادّة 140 من الدستور العراقي عن الوضع السياسي في العراق عموماً، من جوانب عديدة، أبرزها ما تحمله من غموض وتناقض. ورغم أن موضوع تمديد العمل بها لم يكن مدرجاً في جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب ليوم أول من أمس، إلا أنّه أُدرج فجأة، ولعلّ ذلك من قبيل «المباغتة» التي افتعلها الأكراد.
وحال عدم اكتمال النصاب، وهو أمر مألوف في جلسات البرلمان العراقي، دون التصويت على التمديد، مع أن نوعاً كهذا من القرارات المصيرية يتطلّب دراسة متخصّصة، وقراءات عديدة وتهيئة الأجواء السياسية للتصويت بعد المناقشة.
ورأى البرلمانيّون الذين حضروا الجلسة أنّ إثارة النواب الأكراد للموضوع، لم تكن أمراً غريباً، لأن برلمان كردستان العراق ناقشه، وأقرّ التمديد لمرة واحدة للمادّة، مع أنّ القضيّة ليست من اختصاصه، لكونها تتعلّق بموضوع عراقي عام، وليست بنداً متعلّقاً حصراً بإقليم كردستان، ما أثار استياء بقية الأطراف السياسية، التي رأت أن المادّة منتهية المفعول، لأنها محددة بسقف زمني هو 31/12/2007.
وكانت الكتل العربية قد رأت أن أيّ تمديد لهذه المادّة، يجب أن يخضع لنظر لجنة التعديلات الدستورية، ثمّ موافقة البرلمان الاتحادي، ثمّ الاستفتاء الشعبي. وهنا لا يمكن التصويت والاستفتاء على كلّ مادّة يُراد تعديلها في الدستور على حدة، لكن تُطرح التعديلات الدستورية كلّها دفعة واحدة.
وبينما كانت كتلة التحالف الكردستاني تؤكّد أنّ أي تمديد غير جائز، وأنّ بعثة الأمم المتحدة التي اقترحت ذلك أفادت بما هو ليس من حقّها، لأنها بعثة استشارية فقط، عادت الآن لتؤكد أنّ التمديد «قانوني ودستوري»، لأنه حصل بطلب من البعثة الدولية، وأنّ المجالس الرئاسية الثلاثة «رئاسة الجمهورية، ورئاسة الإقليم، ورئاسة الوزراء»، وافقت على طلب التمديد لمدّة ستة أشهر.
وبحسب الدستور العراقي، لا يحقّ لهذه الرئاسات، أو أي منها، تعديل نصّ دستوري، إلا بعد الرجوع إلى البرلمان والاستفتاء العام في البلاد، وهذا أمر غير متاح في المدى المنظور، إلا إذا رأت إدارة الاحتلال غير ذلك.
وإذ حسم عدم اكتمال النصاب الخلاف في جلسة الأول من أمس على إدراج هذا الموضوع على جدول الأعمال أو عدم إدراجه، فإنّ احتمال الموافقة على التمديد وارد في الجلسة المقبلة، إذا ما اكتمل النصاب، وحشد «التكتل الرباعي» أعضاءه الثمانين تقريباً، وتغيّب أكثر من مئة عضو من الكتل الأخرى... ومع ذلك، لا يسري التعديل إلا بإجراء الاستفتاء.
وقد أكّد النائب أسامة النجيفي عن القائمة العراقيّة التي يرأسها إياد علاوي، أنّ المادة 140هي في حكم المنتهية، وأنّ التمديد مخالفة للدستور ويجب على السلطة التنفيذية معالجة هذه المخالفة والتريث لحين إكمال التعديلات الدستورية حسب المادة (142)، و«حلّ اللجنة المكلّفة هذا الأمر».
في المقابل، أكّد وزير شؤون المناطق الخارجة عن إقليم كردستان، محمد احسان، أنّ موقف حكومة الإقليم «واضح للعيان تجاه حسم موضوع المادّة 140»، وأنّه موقف «غير قابل للتغيّر أبداً». وأشار إلى أنّ التمديد الذي جاء باقتراح من الأمم المتحدة، كان بسبب إجراءات التأخير والتباطؤ التي لاحظناها «من الجانب العراقي» في بغداد.
وعن موقف حكومة إقليم كردستان في حال انتهاء فترة التمديد وعدم حسم موضوع كركوك، جزم احسان بأنّ الأكراد «لن يقفوا مكتوفي الأيدي، فالموضوع لا يحتمل التأخير أو التأجيل»، محذّراً من أنّ عدم تنفيذ المادّة المذكورة «سيخلق مشاكل للعملية السياسية العراقية، وسيضعها على كفّ عفريت».
أمّا رأي التركمان في الموضوع، فقد أوضحته دائرة منظّمات المجتمع المدني التركماني التي أعلنت أنّ المادة 140 فقدت شرعيّتها القانونية والدستورية. وذكرت أنه سبق للتركمان أن طالبوا بضرورة إجراء تعديلات جذرية على المادة 140، «لأن هذه المادّة سياسيّة»، وهي «لن تحلّ مشكلة كركوك، وأنّ الحلّ الأنسب هو جعل المدينة المتنازع عليها إقليماً خاصّاً، وإلغاء الاستفتاء المزمع إجراؤه وتحقيق الإدارة المشتركة والتوافقية من القوميات المتآخية فيها».
ووسط هذه التجاذبات، يرى مراقبون سياسيون أنّ المادة 140 «ليست منزلة من السماء»، وأنّ الملابسات التي سبّبتها هذه المادّة، شأن العملية السياسية المشلولة في العراق، حصلت جراء تراكم الأخطاء، حيث ما زال الكثير من الأمور الأساسية معلّقاً من دون حلّ. ولعلّ أبسط مثال على ذلك عجز الحكومة عن إجراء تعديل وزاري منذ تأليفها قبل أكثر من سنة ونصف.