واشنطن ـ محمد سعيد
تصاعد الدخان الأبيض من صناديق اقتراع ولاية أيوا الأميركية، التي افتتحت أوّل من أمس السباق الرئاسي المحموم بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وتمّ تكريس كل من الديموقراطي ذات البشرة السوداء باراك أوباما (37.6 في المئة من الأصوات)، والجمهوري القسّ مايك هاكابي، (34 في المئة)، وذلك في ظلّ نجاح الديموقراطيّين في حشد مشاركة شعبية قياسية أكبر بمرّتين تقريباً من عدد الجمهوريّين.
ورأى مراقبون في نتائج انتخابات «أيوا» التمهيديّة، مؤشّراً لولادة جديدة للولايات المتّحدة التي يعتقدون أنها نضجت إلى الحدّ الذي يمكن فيه تجاوز تركة العبودية الثقيلة التي رزح تحتها ملايين السود لمئات السنين. وفي هذا السياق، رأت الكاتبة والصحافية الأميركية الشهيرة ريكا باساو أنّ ما شهدته في أيوا كان بمثابة «مؤتمر حزبي للأميركيين الأفارقة». كما أشارت إلى أنه على الرغم من أن هناك من السود والنساء والرجال من صوّت لهيلاري كلينتون (29.5 في المئة)، إلا أنّ الغالبيّة من كلّ لون وجنس «قد صوّتت لأوباما سواء كانوا من السود أو البيض أو النساء أو الرجال أو الشباب أو الكبار». وأعربت عن دهشتها لأن المرشّح الديموقراطي الآخر جون إدواردز (29.8 في المئة)، لم يتمكّن من أن يفعل ذلك، واصفة النتائج بأنها «لحظة تاريخية لأيوا ولأميركا».
وفي كلمته التي أعقبت الإعلان عن فوزه، ظهر أنّ أوباما مدرك لحساسية كونه أسود البشرة، فذكّر بأنّ كثيرين «قالوا إن هذا اليوم لن يأتي أبداً. لكن في هذه الليلة الحاسمة من التاريخ، فعلتم ما زعم الخبثاء أننا لن نستطيع أن نفعله».
ويؤكّد الباحث في مركز «وودرو ويلسون»، أوغو تومو، أنه «بغضّ النظر عن البرامج التي طرحها المتنافسون، فإنّ أوباما هو واحد من المتنافسين القلائل الذين يمكنهم أن يعيدوا لنسيج الأمّة تماسكه وأن يعملوا على جميع الجبهات لجمع شتاتها».
غير أنّ السياسي اليميني بيل بينيت، رأى أن تبوّء إدواردز المركز الثاني بمثابة «ناقوس خطر»، وحصول كلينتون على المركز الثالث، «بمثابة إهانة لها»، وأنّ المحافظين في الحالتين هم الفائزون.
وتوقّع بينيت سهولة تغلّب الجمهوريين في ما بعد على أوباما «الليبرالي الأسود»، بالرغم من إقراره بأنّ السود لا يشكّلون أكثر من 3 في المئة من سكّان أيوا البالغ عددهم الإجمالي نحو 3 ملايين نسمة.
ولمّا كانت آخر استطلاعات الرأي تتوقّع فوز هاكابي عن الجمهوريين، أعرب عدد من المراقبين الأميركيّين عن تعجّبهم لفوز الأخير، في أيوا، رغم تاريخه في حاكميّة ولاية أركنساس، حيث رفع الضرائب ومصروفات التعليم وحوّل الولاية إلى ملاذ آمن للمهاجرين غير الشرعيّين. ولفت العديد من الجمهوريين إلى أنّ «كون هاكابي رجل دين لا يجعله الرجل الأمثل لقيادة أميركا».
وفي قراءة في نتائج الانتخابات، فإنّ أوباما أجاد السير فوق الحقول الشائكة، في بلد زرعت فيه أجهزة سلطته عقب هجمات 11 أيلول خوفاً مرضيّاً من كل ما هو إسلامي. ولعلّ نقطة الضعف التي كثيراً ما هُوجم على خلفيتها أوباما هي قلّة خبرته، إذ إنّه لم يكمل بعد ولايته الأولى في مجلس الشيوخ. لكن ربما تكون هذه هي أهم نقاط القوّة لديه، إذ إنّ تاريخه من القصر بحيث لا يجد فيه خصومه من الكبوات والأخطاء الجسيمة التي تضمها سجلات الخصوم المخضرمين الطويلة. لكن خططه الاقتصادية لا تحمل كثيراً ممّا يبشّر الأثرياء، حيث ينوي إخراجهم من جنّة التخفيضات الضريبيّة التي طالما نعموا بها في ظل إدارة جورج بوش. وأوباما يطرح خططاً طموحة للرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، ويعد بخفض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري بنسبة 80 في المئة بحلول عام 2050، وبإنتاج 60 مليار غالون من المصادر الحيوية بحلول عام 2020، وباستثمار 150 مليار دولار على مدى 10 سنوات لتوفير مصادر جديدة للطاقة. كما يقرّ بالحاجة إلى زيادة الهجرة القانونية للمّ شمل العائلات والاكتفاء بتغريم المهاجرين غير الشرعيّين.
ويبعث فوز أوباما برسالة قوية للمتأرجحين في نيو هامبشر الآتية، والذين يرغبون في منحه صوتهم، لكنهم يخشون من أن يضعوا رهانهم على حصان قد لا يستطيع الفوز في السباق النهائي. لكن، مثلما حطّمت نانسي بيلوسي حاجز الجنس في الصعود إلى رئاسة مجلس النواب، ربما يحطّم أوباما حاجز اللون لتولّي رئاسة البلاد.