ربى أبو عمو
يمثِّل إصرار إقليم كوسوفو على الاستقلال عن صربيا ضمن رقابة ثنائية بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي، أرقاً صربياً مستمراً، لا يبدّده سوى ضمان سيطرتها على الإقليم. إذ تبدو مثل الأم التي تدافع عن ولدها غريزياً خوفاً من الأعداء، فتستعدّ لفعل أي شيء. ولا تخرج مواقفها المراوغة بين التهدئة والتصعيد عن التمسّك بالإقليم الذي ترتبط به تاريخياً، ويحقّق لها انتصاراً عرقياً ومكانة دولية.
كأن الدولة الأم هذه على يقين أن ابنها «الضال» سيعود إليها، وخصوصاً أن الدب الروسي يقف إلى جانبها في مواجهة الغرب الداعم لاستقلال الإقليم؛ فغدت خطابات سياسيّيها نوعاً من الحصانة المعنوية على الأقل، ردّاً على تعنّت كوسوفو في توقها للاستقلال، وإن كان أحادياً. مستشار رئيس الحكومة الصربية ألكسندر سيميتش قال إنه «لا خيار للدولة الأم (صربيا) سوى الحرب، حين لا يحترم قرار مجلس الأمن الرقم 1244 الساري المفعول، الذي يرى كوسوفو إقليماً متمتعاً بحكم ذاتي واسع داخل جمهورية صربيا». ولم يتردّد رئيس الوزراء فويسلاف كوستانيتشا في الاعتراف «بأننا في صدد معركة جديدة من أجل كوسوفو».
هذه المواقف السياسية الحادة، والتي تمهّد لاستعدادات الصرب للمواجهة، ليست مجرّد أبياتٍ شعرية تلعب على وتر الخوف لدى الألبان أو الغرب؛ فإن كانت صربيا تفضّل حلًّا سلمياً للأزمة يضمن دورها، فإنها في الوقت نفسه جاهزة للدفاع عن مشروعها؛ فقبل نحو أسبوعين، اتخذ البرلمان الصربي في بلغراد قراراً يحدد الخطوط الكاملة لخريطة طريق صربية لمواجهة استقلال كوسوفو، بغالبية استثنائية بلغت 220 صوتاً من أصل 250 نائباً. هذا بالإضافة إلى مشروع قرار يحدّد مسار حرب دبلوماسية على الدول التي ستعترف بالإقليم مجرد إعلانه الاستقلال. وينصّ القرار على إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والعلاقات الأخرى مع الدول التي ستعترف بكوسوفو، وضرورة الاستفادة من الاتفاقيات الدولية، وخصوصاً اتفاقية الاستقرار والشراكة التي تجعل صربيا أقرب لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي.
تدرك صربيا، رغم الالتفاف العالمي المؤيّد لاستقلال الإقليم، قوة موقفها من خلال القرار 1244 الذي يعطيها الحق في الاحتفاظ بالسيادة على كوسوفو، إضافة إلى استخدامها ورقة تخيير الاتحاد الأوروبي بينها وبين دعم الإقليم. في المقابل، تدرك أوروبا قدرة صربيا على التحكم باستقرار البلقان من خلال تحريض الأقليات الصربية المتشددة في كرواتيا والبوسنة والجبل الاسود وكوسوفو ومقدونيا.
فجماعة «حرس الملك لازار»، التي تهدف إلى إعادة السيطرة الصربية على كوسوفو، هدّدت بشن حرب موسعة على الألبان إذا ما أُعلن استقلال الإقليم. كذلك فإن حركة قدامى حروب تسعينيات القرن الماضي في يوغوسلافيا أعلنت، عبر رئيسها زليكو فاسيلييفيتش، النائب في البرلمان الصربي عن الحزب الاشتراكي الذي كان يتزعمه الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش، استعداد حركته للدفاع عن صرب كوسوفو إذا غفلت عنهم الدولة. يضاف إلى هؤلاء استعداد بقايا قوات «القبعات الحمر» للمواجهة. وقد حُلّت هذه القوات بعد اغتيال رئيس الوزراء الصربي زوران دجنجيتش في آذار عام 2003 في بلغراد، ومحاكمة قادتها.
وشجعت حكومة صربيا زعامات جمهورية الصرب في البوسنة على التهديد بإجراء استفتاء على الانفصال عن الجمهورية البوسنية.
هذه الفئات الصربية المتعصبة قد تتمثّل أيضاً في الرئاسة، إذ يتوقع أن يزداد التأييد للراديكاليين الذين يسيطرون على ثلث مقاعد البرلمان الصربي خلال الانتخابات الرئاسية في 20 الشهر الجاري، وبالتالي وصولهم إلى السلطة مع حلفائهم الاشتراكيين. وستجرى هذه الانتخابات بموجب الدستور الصربي الجديد الذي أقر العام الماضي، ويؤكّد سيادة صربيا على إقليم كوسوفو.
عاملٌ آخر ستلجأ إليه صربيا للضغط، يتمثّل في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي كي تحكم في شرعية إعلان استقلال كوسوفو.
وتستعدّ الحكومة الصربية لفرض حصار على كوسوفو، يشمل قطع الكهرباء وإغلاق الحدود، والذي قد يعطّله بعض الشيء الوجود الغربي. ويعاني الإقليم وضعاً اقتصادياً صعباً، إذ بلغت نسبة البطالة فيه 40 في المئة. لذا، يراهن كوسوفو على الاستقلال الذي من المفترض أن يكون فرصة له للحصول على استثمارات وقروض خارجية.