معمر عطوي
يبدو أن ممثل مرشد الثورة الإيرانية في المجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني، قد أصبح رجل المرحلة بامتياز، بما يمسك به من ملفات حساسة، من شأنها رسم صورة الدور الإيراني المقبل في منطقة الشرق الأوسط.
تبرز أهمية الرجل في متابعته قضايا شائكة، تعوِّل عليها طهران لتحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ، ولا سيما في لبنان والعراق وفلسطين. ما يؤكد أن استقالته من رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي في تشرين الأول الماضي، لم يكن تحييداً بل تعزيزاً لدوره وتقديراً لكفاءته.
والواضح أن كل ما قيل عن خلافات بينه وبين الرئيس محمود أحمدي نجاد، في شأن ملف التفاوض النووي، لم يمنع إدارة المحافظين من تسليمه ملفات العلاقات المتوترة مع مصر، وقضايا شائكة مثل الأزمة اللبنانية والانقسام الفلسطيني والبركان العراقي. زيارته الى القاهرة الأسبوع الماضي، التي تلتها زيارة مطولة الى دمشق، تُعدّ أحد تجليات هذا الدور الصعب الذي يؤديه في المنطقة.
النقطة الأبرز في الدور الراهن للاريجاني، لا يمكن فصلها عن جوهر السياسة الإيرانية، التي تحاول، رغم اختلاف وجهات النظر بين أقطابها، إظهار التماسك والتفاهم، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالنزاع مع الغرب؛ فالمفاوض «النووي» السابق، ورغم افتراقه في الأسابيع الأخيرة عن نجاد، أصرَّ على أن خلافات مسؤولي البلاد في شأن الملف النووي «تكتيكية» ولا تتعلق بالاستراتيجية العامة.
والمفارقة أن لاريجاني، وهو ابن رجل دين، يُصنّف في خانة أقصى اليمين المحافظين، رغم أسلوبه المرن الذي اتّبعه في التفاوض مع الغرب في الملف النووي؛ فهو من المقربين إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي، وصهر أحد أبرز قادة ومفكري الثورة الإسلامية مرتضى مطهري. وفي الوقت نفسه، هو من المقربين لرئيس مجلس خبراء القيادة، «الوسطي» علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي عينه وزيراً للثقافة في حكومته (1989-1997).
ولعل اختلاف الرؤى بين لاريجاني ونجاد، رغم التوجّه المحافظ للرجلين، بدأ منذ عام 2005، على خلفية التنافس بينهما في الانتخابات الرئاسية، التي كان لاريجاني أبرز المرشحين فيها، وكانت استطلاعات الرأي ترجح فوزه، قبل أن تعلن النتيجة النهائية فوزاً مفاجئاً لنجاد.
ويبدو أن المشهد يتكرر الآن قبل الانتخابات النيابية التي تجري في آذار المقبل، حيث يُصار الى تعويم صاحب شعار «لا يمكن إجراء إصلاحات مع شعب جائع»، من خلال تسليمه ملفات صعبة، بصفته خبيراً في فن التفاوض. هذا إن دلّ على شيء، إنما يدل على أن الدكتور المحافظ، مرشح جدي للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2009، وخصوصاً أن جبهة الإصلاحيين بدأت ترّص صفوفها منذ أشهر، فيما لا يزال التيار المحافظ، الذي فشل على صعيد السياسة الداخلية، يحاول إبراز أسماء لافتة قادرة على منافسة أسماء في التيار المعارض من وزن رفسنجاني ومحمد خاتمي ومهدي كروبي.