نيويورك ـ نزار عبود
برميل النفط يصل إلى مئة دولار قافزاً نحو 60 في المئة عن مستواه منذ عام فقط. كان يمكن أن تفجّر هذه الزيادة الهائلة في تكلفة الطاقة مشاكل اقتصادية واجتماعية ونقدية لا حصر لها لو أنّ المستهلك الأميركي يشعر بها فعلياً عندما يملأ خزّان سيارته من الوقود. إلّا أنّ ما حدث هو أن المصافي عزفت حتى الآن عن تحميل المستهلك تكلفة الزيادة وبقي سعر غالون البنزين (الذي يقلّ بعض الشيء عن 4 ليترات) قريبا ًمن مستوى 3 دولارات.
فتأثّرت أرباح شركات التكرير سلباً وتقلّصت خلال السنة الماضية. ويبقى أسهل على الشركات الكبرى تحمّل جزء من العبء من أن تدفع البلاد إلى هاوية الركود. فمع ارتفاع الأسعار يرتفع التضخم العام. لكن إلى أيّ مدى تستطيع شركات التكرير تحمّل الفاتورة وحدها؟ سؤال بات ملحاً في عصر الـ«100 دولار للبرميل».
الأميركيّون هم أقلّ الشعوب شعوراً بالمسؤولية في استهلاك الطاقة، وهذا يعود إلى عوامل بنيوية اقتصادية فضلاً عن النزعة الفرديّة الجامحة السائدة في المجتمع. وعلى سبيل المثال، تخضع في مدينة نيويورك، التي يقطنها 12 مليون نسمة، معظم الشقق والمساكن لنظام الخدمة المركزيّة في التدفئة والماء الحار. وهذا يعني أن الساكن يتحمّل فقط إيجاراً شهرياً ولا يدفع أيّ زيادة سواء استهلك كثيراً أو قليلاً من الماء الحار، أو فتح نوافذ مسكنه شتاءً مبدّداً التدفئة.
إذاً فلا مصلحة له بتقليص الاستهلاك. هو يركب سيّارة مفرطة الاستهلاك للطاقة انطلاقاً من الذاتية نفسها. لا يشعر حتى الآن بأنّ الأسعار الحاليّة للوقود تضغط على ميزانيّته. ولا عجب في ذلك نظراً لأنّه يدفع أقلّ من نصف ما يدفعه البريطاني ثمناً للوقود بسبب نسبة الضرائب المتدنية على هذا القطاع المحمي من شركات بيع الطاقة صاحبة النفوذ الشديد، بينما تصل الضرائب على الوقود في أوروبا إلى أكثر من 70 في المئة، وفي بريطانيا إلى 85 في المئة.
هذا الواقع قد يتبدّل سريعاً خلال العام الجاري تاركاً المواطن الأميركي المدلّل، في العراء متلقّياً مجموعة من الضربات في آن معاً؛ فالتباطؤ في النمو الاقتصادي بدأ يُترجم انخفاضاً في فرص العمل، وربما ارتفاعاً في معدّل البطالة. كما أن شركات الطاقة التي لم تعد تبيع المقدار نفسه من الوقود الذي كانت تبيعه من قبل مضطرة إلى رفع السعر لتغطية نفقاتها فضلاً عن تحميل المستهلك زيادة سعر النفط الخام.
التوقعات في قطاع المواصلات الأميركية تشير إلى احتمال ارتفاع أسعار الوقود بنسبة قد تصل إلى 33 في المئة هذه السنة ليصل سعر غالون البنزين إلى 4 دولارات. وهذه القفزة مستحقّة منذ وقت، وهي كالصاعقة الحتمية، ستأتي ولو تأخرت. وبقدومها في سنة الانتخابات الرئاسية، ستؤدي هذه الفاتورة دوراً في زيادة إضعاف الجمهوريّين الذين وعدوا في بداية الحرب على العراق بتقليص الوقود نتيجة ضمان مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. الرياح قطعاً لم تأت كما تشتهي السفن.
الأزمة النفطية تبقى في الولايات المتحدة ضمن الإطار الاقتصادي، إلّا أنّها قد تجعل العالم أقلّ استقراراً وتثير مشاكل جيوسياسيّة يصعب التكهّن باتساعها، ولا سيّما في الدول التي بدأت تئنّ بالغلاء سواء في أسعار المواد الغذائيّة أو الأولية.