واشنطن ــ محمد سعيد
جولة تاريخيّة يبدأها اليوم الرئيس الأميركي جورج بوش في الشرق الأوسط، وتستمرّ 8 أيّام. محوراها الأساسيّان السلام الفلسطيني ـــ الإسرائيلي، وكيفيّة احتواء النفوذ الإيراني. إلّا أنّ الإشارات وآراء المراقبين تفيد بأنّ آفاقها محدودة
يبدأ الرئيس الأميركي جورج بوش جولته في الشرق الأوسط اليوم، بلقاء مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس حكومته إيهود أولمرت. ومن المقرّر أن يبقى في فلسطين المحتلّة حتى يوم الجمعة المقبل متنقلاً بين القدس ورام الله، حيث يلتقي أيضاً مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حكومة «تسيير الأعمال» سلام فياض، ثم مع مبعوث اللجنة الرباعيّة الدولية طوني بلير.
دبلوماسيّون وخبراء سياسيّون يرون أنّ بوش يبدأ هذه الزيارة الأولى الموسّعة له إلى المنطقة وقد «تقلّصت رؤيته وتتضاءلت قدرته على التأثير في الأحداث». ويقولون، في أحاديث أجرتها معهم «الأخبار»، إنّ بوش سيلقى بالتأكيد استقبالات تتسم بالحفاوة في القدس المحتلة ورام الله وفي القصر الملكي في الرياض وفي قصور الكويت والمنامة وأبو ظبي ودبي، ليكون قصر شرم الشيخ المصري آخر المحطات السبع في زيارته المعلنة. غير أنّه في ضوء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركيّة الجارية حالياً، فإنّ حكومات وزعماء دول المنطقة التي تتطلّع بالفعل إلى ما بعد بوش، لا تتوقّع أن تحقّق الجولة أي إنجاز جوهري.
وتأتي الزيارة بعدما طغت «الحرب على الإرهاب» والوضع العراقي على أولويّات إدارة بوش لمدة 6 سنوات متتالية. وفي هذا السياق، أشار سفير دولة عربية لدى واشنطن إلى أنّ سيّد البيت الأبيض لن يجدّد دعواته إلى «دمقرطة الوطن العربي». وتساءل إن كانت دعوات بوش إلى الدمقرطة لا تزال قائمة حتى.
ويقول محلّل في واشنطن، إنّ بوش يحتاج إلى زعماء المنطقة بالقدر نفسه الذي يحتاجون إليه، للمساعدة في احتواء إيران وتوفير تدفق النفط والاستثمارات ودعم المفاوضات الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية.
ويُذكر أنّ بوش صرّح طوال الأيّام الأربعة الماضية للعديد من وسائل الإعلام العربية والأميركية والإسرائيلية بأنّه يستهدف من جولته تشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية وحث الدول العربية على دعم الرئيس الفلسطيني والحكومتين العراقيّة برئاسة نوري المالكي واللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة.
الخطاب الرئيسي لبوش خلال جولته هو الذي سيلقيه في 13 من الشهر الجاري في أبو ظبي، حيث سيؤكّد أنّ «أجندة الحرية» التي طرحها للعالم الإسلامي قد حققت نتائج. ويرى محللون أن تركيزه على بلد عربي صغير مثل إمارة أبو ظبي إشارة إلى تقلّص طموحات مشروعه الموسع لنشر الديموقراطية في المنطقة.
لكن هناك من لا يزال يجد في جولة بوش انخراطاً شخصياً منه في عمليّة تسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي وتحقيق رؤيته لحل الدولتين، التي طرحها في حزيران عام 2002 ثم صيغت في إطار خطة «خريطة الطريق»، أملاً في تحقيق مصالحة عربية ـــــ إسرائيلية.
ومن جانب آخر، تمثّل الجولة مناسبة لطرح رؤية أميركية جديدة لتحقيق الأمن في منطقة الخليج العربي وكيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، الذي تصرّ كافّة الأطراف العربيّة على معالجته بالطرق السلمية. ومن هذا المنطلق، يتوقّف نجاح الجولة على مدى التقدّم في هاتين القضيتين الأساسيتين، وبما يأخذ في الحساب الموقف العربي.
احتواء إيران أو مواجهتها
استبقت إسرائيل كلًّا من بدء التفاوض مع الفلسطينيين وزيارة بوش للمنطقة بمحاولة تدمير نتائج مؤتمر أنابوليس عبر تجاوز شروط «خريطة الطريق» الداعية إلى وقف الاستيطان. وبدلاً من أن تعالج مشكلة 205 مواقع استيطانية في الضفة الغربية، تعمّدت إفشال أولى جولتين من التفاوض بعد إعلانها خططاً جديدة لبناء 300 وحدة استيطانية سكنيّة في جبل أبو غنيم في القدس المحتلة وإنشاء 740 وحدة سكنية في مستوطنة معاليه أدوميم في الضفة الغربية، والتي سيؤدّي إنشاؤها إلى تهويد القدس.
كذلك تسعى إسرائيل إلى أن يحظى الملفّ النووي الإيراني بالأهمية القصوى لزيارة بوش على حساب الملفّ الفلسطينيي، وخصوصاً بعد التقرير الأخير للاستخبارات الأميركيّة. وفي هذا السياق، ينوي بوش استغلال جولته لحشد دعم للضغوط الدولية على إيران، حسبما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين بارزين ودبلوماسيّين وخبراء إقليميين.
فالعديد من حكومات المنطقة تشعر بـ«ارتباك» حيال تقديرات الاستخبارت الأميركية بشأن إيران، يقول مسؤول رفيع المستوى للصحيفة، مضيفاً أن لا حكومة عربيّة تفهم لماذا تنشر الولايات المتحدة تقريراً ينطوي على تقديرات استخباريّة. وأشار إلى أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ستكون موضوعاً أساسياً يركّز عليه بوش في محادثاته مع زعماء المنطقة حيث سيسعى إلى طمأنتهم إلى «بقاء نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة».
مطالب الدول العربية
يُتوقّع تركّز مطالب الدول العربيّة على أن تمارس إدارة بوش ضغوطاً على إسرائيل لوقف عمليّة الاستيطان إذا كانت جادة في تحقيق السلام في المنطقة، والعمل على التقدّم في مناقشة قضايا الوضع النهائي مثل القدس واللاجئين والحدود وإنشاء الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، وأهميّة الالتزام بالإطار الزمني للمفاوضات في نهاية العام الجاري كما تقرّر في أنابوليس، ومطالبة اسرائيل بحضور مؤتمر المتابعة الذي دعت إليه روسيا لبحث التطوّر فى عمليّة تسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي وإمكان إحياء المسار السوري ـــــ الإسرائيلي.
وعلى المستوى الخليجي، تقول مصادر خليجية إنّه سيجري التداول في شأن مقترح أميركي يؤسّس لصيغة جماعيّة للأمن الإقليمي في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق. وتقوم هذه الصيغة على تطوير التعاون القائم بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى مصر والأردن، والعمل على تعزيز قوّة الردع الخليجيّة وبذل جهد خليجي للمساعدة في المفاوضات الفلسطينيّة ـــــ الإسرائيلية للوصول إلى حلّ مقبول للنزاع، والعمل على احتواء طهران عبر وسائل سياسية واقتصادية بل وعدم الممانعة الأميركية في قيام نوع من التعاون الأمني المشروع مع إيران، الذي يشمل تخلّي طهران عن طموحها النووي.
ومن المؤكّد أن الرئيس الأميركي سيجد نفسه أمام أجندة عربيّة تناقض الأجندة الإسرائيليّة كليّاً؛ فالزعماء العرب يريدون تقدماً جوهرياً لا شكلياً في المفاوضات، ويبغون حلاًّ سلمياً لأزمة البرنامج النووي الإيراني، بينما تسعى إسرائيل إلى محاولة تقويض الجهود الدبلوماسية في شأن طهران، وهي تعمل واقعياً على نسف مقرّرات أنابوليس وخريطة الطريق. وحتى إذا تراجعت الآن عن بناء مستوطنة جديدة في القدس المحتلّة أو أخلت بعض البؤر الاستيطانية «البسيطة» لتجميل وجهها قبل زيارة بوش، فهي مستمرّة في مشاريع الاستيطان في معاليه أدوميم وجبل أبو غنيم، وتسعى إلى فرض وقائع على الأرض تكون في حدّ ذاتها محوراً للتفاوض بدلاً من مناقشة قضايا الوضع النهائي.