strong>أرنست خوري
يبدو أنّ سباقاً حقيقيّاً انطلق في تركيا بين مختلف الأحزاب، حتّى القومية منها؛ سباق عنوانه «مَن يزايد أكثر في موضوع الانفتاح على الأكراد؟»، وذلك بعد نحو شهر من إبداء حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، نيّتها إدخال حروف جديدة إلى اللغة التركية، لتقريب اللغة الكرديّة (غير الرسمية حتى اليوم) من الأبجدية التركيّة، بالإضافة إلى طرح رئيس الحكومة لمشروع عفو «سخي» على المقاتلين والقياديّين في حزب العمّال الكردستاني، يؤمّن لهم مغريات كبيرة في مقابل التخلّي عن السلاح والإفادة بمعلومات عن الحزب المحظور.
وفي خطوة مفاجئة، كشف حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض، عن أنّه بصدد تقديم مشروع قانون جديد يُسمح بموجبه التعليم بلغات إلى جانب اللغة التركية، في المدارس الخاصّة. وفي مقدّمة هذه «اللغات الأخرى»، الكردية.
وقال عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب، سينان ييرليكايا، إنّ كتلة حزبه النيابية (ثاني أكبر كتلة نيابية بعد العدالة والتنمية)، تعدّ لتعديل قانون موجود في الأدراج منذ عام 1989، يسمح بإدخال لغات غير تركية إلى النظام التربوي التركي. والقانون المذكور، كان يُعرَف باسم «استعمال اللغات غير التركية»، سبق أن قدّمه الحزب الديموقراطي الاجتماعي، لكن البرلمان رفضه حينها.
وبرّر الحزب المعارض، المعروف برفضه القاطع إعطاء أية حقوق تساوي الأكراد بالأتراك، مشروعه الجديد بأنّه «يجب على الدولة أخذ مسؤولية السماح للذين يتكلّمون لغات أمّ غير تركية، باستخدامها في حياتهم بشكل قانوني». وكشف ييرليكايا عن أنّ 16 نائباً سيحضّرون مشروع القانون، من بينهم رئيس الحزب، دينيز بايكال.
كما أنّ هذا القانون سيكون نسخة «قريبة» من القانون القديم، الذي كان يسمح بـ«التحدّث، والتعلّم باللغات غير التركية»، وفتح وسائل إعلام بهذه اللغات وطبع الكتب والإصدارات الأدبية بلغات غير تركيّة. وفي إشارة إلى انفتاح «غير متوقَّع» من هذا الحزب على «حقوق الأقليات»، لفت القيادي فيه إلى أنّ حزبه «لا يمكنه القبول بواقع تدمير اللغات الأم للأقليات، لأنّ اللغة تعني التواصل بين الأفراد». لكنّ الرجل عاد واستدرك بالتشديد على أنّ اللغة التركية يجب أن تبقى اللغة الأساسية، مبدياً ثقته في أنّ «فقط حزب الشعب الجمهوري يستطيع أن يحلّ مشكلة اللغات في النظام التعليمي».
يبقى أنّ هذه اللفتة «الشعبية» تطرح عدداً من الاحتمالات: فمن جهة، يمكن أن تكون الخطوة تهدف إلى انتزاع شعبيّة اكتسبها أردوغان وحزبه من الأوساط الكردية، والتركية المعتدلة، وذلك بعدما لاقت اقتراحاته «الإيجابية» إزاء الأكراد، أصداء مشجّعة. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ الاقتراح القانوني يصيب أهدافاً عديدة: التجاوب مع المزيد من الشروط الأوروبية من ناحية احترام حقوق الإقليات (أبرزها الكردية واليونانية والأرمنية والعربية)، ومن ناحية أخرى، مجاراة سياسة الحكومة التركيّة «الانفتاح على الشرق» العربي، ذلك لأنّ الأقليات العربية والعلوية، ستنظر إلى هذه الخطوة بعين الرضا.
في المقابل، إن من غير المستبعد أن تكون الخطوة تكتيكاً استعراضيّاً يعتمده حزب الشعب الجمهوري، وأشبه بمناورة تقول للرأي العام في الداخل والخارج: إننا نمدّ أيدينا للأكراد ليندمجوا في مؤسّسات الدولة، ثمّ يعود لينقلب على مشروعه بتبرير مفاده أنّ هذه الأقليات لم تقابل بادرة حسن النيّة بمثلها، لذلك لن تكون تركيا إلا للأتراك.