موسكو ــ حبيب فوعاني
انتهت الانتخابات الرئاسيّة المبكرة في جورجيا والاستفتاء بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وموعد الانتخابات البرلمانيّة، بانتصار الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، الذي نال، وفقاً للجنة الانتخابات الجورجية، قرابة 52 في المئة من الأصوات.
المنافس الأساسي للرئيس في الانتخابات، مرشح المعارضة ليفان غاتشيتشيلادزه، حصل على 25 في المئة من الأصوات، في ظلّ رفض المعارضة الاعتراف بنتائج الانتخابات، وتأكيدها أنّ ساكاشفيلي لم ينل سوى 41 في المئة، وإشارتها إلى تزييف شامل لنتائج الاقتراع، وتهديدها بإخراج مئة ألف من أنصارها للتظاهر احتجاجاً. وتشير المعارضة إلى تلاعب وتحيّز جريا في العمليّة الانتخابية، كان من أهم مظاهرهما ظاهرة «الناخبين الجوّالين» والضغط على الناخبين للتصويت «كما يجب». كلّ ذلك، ولم ينل ساكاشفيلي في غالبيّة أحياء العاصمة تبيليسي سوى نسبة تراوح بين 27 و31 في المئة، بينما نال خصمه الأكبر، تاجر النبيذ غاتشيتشيلادزه، بين 41 و49 في المئة. ويفسّر ذلك بأنّ معظم الـ400 مراقب دولي من منظمة اﻷمن والتعاون في أوروبا ومجلس الاتحاد اﻷوروبي والبرلمان اﻷوروبي، الذين جاؤوا إلى جورجيا لمراقبة الانتخابات، احتشدوا في العاصمة، وكانت عمليّات الاقتراع تجري تحت رقابتهم المباشرة.
غير أنّ فرصة كبيرة توافرت على أيّ حال لساكاشفيلي للفوز بفترة رئاسة ثانية. إلّا أنّ فوزه يشبه الهزيمة للرئيس الجديد القديم، الذي نال ما يزيد على 96 في المئة من أصوات الناخبين في 4 كانون الثاني عام 2004. وقد وصفت منظّمة اﻷمن والتعاون في أوروبا الانتخابات بأنّها في مجملها تتّفق مع «معظم المعايير الدولية الخاصة بالانتخابات الديموقراطية». غير أنّها أشارت إلى «وجود تحدّيات كبيرة تجب مواجهتها بسرعة». ورغم انتقاد مراقبين دوليين مستقلّين، بينهم بريطانيون وأميركيون وإسرائيليون، السلطات الجورجية لاستخدامها «الموارد الإدارية» في الانتخابات، وتشكيكهم في نزاهتها، إلّا أن الحكومات الغربيّة رأت أن الانتخابات «صحيحة» واعترفت بنتائجها. وبدا واضحاً أنّ ما هو ممنوع على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مسموح به للرئيس الجورجي الموالي للغرب.
وعلى أيّ حال، فإن قرار ساكاشفيلي إجراء الانتخابات خلال فترة قصيرة قد أربك المعارضة، حيث بدت عاجزة عن الاتفاق على مرشّح موحّد أو خطة ما، ولم ينسحب المرشحون الآخرون لمصلحة الأقوى، غاتشيتشيلادزه. وبحسب المراقبين، يبدو الآن وضع المعارضة محرجاً وهي تهدر وقتها بإعلان الإضراب عن الطعام.
وسيكون الأمر أكثر إحراجاً إذا اختارت اللجوء إلى إطلاق نسخة أخرى من «ثورة الورود»، لأنّ الغرب في مجمله اعترف بديموقراطيّة الانتخابات، وسينظر إلى قمع المنتفضين كدفاع عن الأعراف الديموقراطية. ولا سيّما أنّ «الرئيس ميشا» قام، بفضل الدعم الغربي السخي، وعلى الطريقة الباكستانية، بتدليل أفراد الجيش والشرطة والاستخبارات ومنحهم مختلف الامتيازات، وهم مستعدّون لقمع المعارضة بالوحشية اللازمة كما فعلوا قبل شهرين.
غير أنّ هذا النصر الآني لا يعني لساكاشفيلي النوم على وسادة من حرير، لأنه فقد تأييد نصف ناخبيه بعد 4 سنوات «وردية»؛ فأبناء هذه الجمهورية القوقازية الصغيرة، التي يبلغ تعداد سكانها 5 ملايين ونصف مليون نسمة، يعون أنهم انتظروا معجزة وعد بها الرئيس إلّا أنّها لم تأتي. وذلك على الرغم من المساعدات العسكرية الغربية والإسرائيلية، والاستثمارات، ومنها الخليجيّة وخصوصاً الكويتية، وبينها توظيف صندوق التنمية الاقتصادية الكويتي لـ720 مليون دولار لبناء 3 محطات كهرباء مائية على نهر ريوني جنوب جورجيا خلال 5 سنوات...
شيء ما يجعل ساكاشفيلي شبيهاً بميخائيل غورباتشوف، ثائر «البيريسترويكا»، الذي أمضى فترة حكمه بين عامي 1985 و1991، في توضيح حسنات الديموقراطية واقتصاد السوق من دون أن يتفرغ لإصلاح الاقتصاد أو لإنشاء المؤسّسات الديموقراطية لكي يرى الناس بأنفسهم حسناتهما، وبقي مشغولاً بالسياسة الخارجية، حتى «انهار حطام الاتحاد السوفياتي فوق رؤوس أبنائه» (بتعبير الكاتب الروسي ألكسندر سولجنيتسين)، وذلك ما استغلّه بوريس يلتسين، الذي «التقط السلطة المرميّة على قارعة الطريق» (بحسب الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو).