حسام كنفاني
قد يكون من المفارقة اختيار الرئيس الأميركي جورج بوش منبراً خليجياً للحديث عن الديموقراطية في الشرق الأوسط، مع ما يعني ذلك من إقرار ضمني بالرضى الأميركي عن الإجراءات «الديموقراطية» في هذه الدول، التي يخوّلها حلفها مع إدارة بوش أن تكون بمنأى عن نقد واشنطن الدائم لإجراءات قمع الحرية وحقوق الإنسان المستشرية فيها.
والإمارات، التي استضافت الخطاب الأميركي، احتلت حيزاً كبيراً من «ثناء» سيد البيت الأبيض على إجراءاتها التحديثية وانتخاباتها «الديموقراطية» الأخيرة، رغم آلية هذه الانتخابات البدائية التي حصرت حق الاقتراع بيد فئة منتقاة من حكام الإمارات السبع لاختيار نصف أعضاء المجلس الوطني (البرلمان)، على أن يعيّن الحكام الأعضاء الباقين، ما يعني أن الاقتراع لم يكن إلا إجراءً صورياً لم يغيّر من طبيعة التشريع في الدولة.
وإذا نُظر إلى هذه الانتخابات على أنها مجرّد انطلاقة لـ«مسار ديموقراطي طويل»، فإن الرئيس الأميركي (الحريص على الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان)، ما كان يجب أن يتجاهل معاناة العمالة الأجنبية، التي تتشارك فيها الإمارات مع سائر الدول الخليجية، حيث لا يتمتع هؤلاء بأي حقوق عمّالية أو إنسانية، بما في ذلك الاحتجاج على شروط عملهم القاسية، التي تمثّلت أخيراً بتحركات لعمّال آسيويين، جابهتها الحكومة الإماراتية بـ «الترحيل».
ولم يفت بوش، خلال حملته «الديموقراطية»، أن يثني على «الانتخابات التعددية» في قطر والسعودية، رغم أن هذه الانتخابات كانت حتى أدنى من التجربة الإماراتية، إذ اقتصرت على انتخابات بلدية قبل أكثر من عامين على أساس أن تكون مقدّمة لانتخابات أشمل. إلا أن أياً من بشائر هذه الشمولية لم يظهر إلى اليوم.
في المقابل، بدا بوش حريصاً على الديموقراطية في إيران والأراضي الفلسطينية؛ فخلال دعوته الشعب الإيراني إلى تغيير إدارته، تناسى الرئيس الأميركي أن إيران في ظل الحكم الإسلامي شهدت أكثر من انتخابات ديموقراطية سمحت بتداول السلطة بين طرفي الإصلاحيين والمحافظين. وعداوة الولايات المتحدة للنظام الإيراني لا تفسد صحة هذه الانتخابات وتعدديتها.
وفي إشارته إلى الشعب الفلسطيني، أسقط بوش اختيار هذا الشعب لحركة «حماس» في انتخابات عام 2005 المراقبة دولياً، وركّز على انتخاب الرئيس محمود عباس باعتباره «يمثّل خيار الحلّ السلمي» المتماشي مع رؤية الإدارة الأميركية.
الشهادات التي وزعها الرئيس الأميركي ترسي معايير جديدة للديموقراطية قد لا يكون لها علاقة بالانتخاب وحقوق الإنسان، بقدر ما تهتم بمدى مراعاة هذه الدول لسياسة «بلاط الديموقراطية» الأميركي.