بغداد ـ الأخبار
كان على الإدارة الأميركية أن تنتظر أكثر من عام
ونصف لتبدأ في تحقيق رزمة «الإصلاحات» التي تراها مخرجاًً لأزمتها في العراق؛ فمع إقرار النواب العراقيّين لقانون العدالة والمساءلة، تأمل واشنطن أن يحمل القانون ترياقاً سحريّاً لإنجاز مصالحة وطنية؛ مصالحة لا تبدو أكيدة في ضوء المعارضة التي لا تزال تواجه القانون. وهي معارضة بدأت تتبلور في تحالف سياسيّ أُعلن عنه في بيان أمس


حملت عطلة الأسبوع الماضي في العراق تطوّرات مهمّة في «العمليّة السياسية» على أكثر من صعيد؛ فبين إقرار البرلمان للنسخة المعدّلة من قانون اجتثاث البعث، المسمّاة قانون العدالة والمساءلة، والتوافق على علم عراقي جديد بالقراءة الأولى في مجلس النواب، وتوقيع أكثر من 12 حزباً وشخصيّة عراقية على وثيقة سياسية وُصفَت بـ«التمهيدية» لبلورة جبهة سياسية معارضة لحكومة نوري المالكي، ظهر بوضوح أنّ الأيّام القليلة المقبلة ستوضح ما إذا كانت هذه التطورات ستشكل معلماً في الحياة الساسية العراقية أم أنها ستعرف مصيراً مشابهاً لعدد كبير من المحاولات التي أُجهضَت في الفترة الأخيرة.
وبعد تأجيلات متكرّرة، أقرّ مجلس النوّاب مشروع قانون المساءلة والعدالة بغياب 135 نائباً وبتصويت 115، لطيّ صفحة طويلة من النقاشات بشأن هذا القانون الذي يأتي ليستبدل القانون الذي سبق ووضعه الحاكم الأميركي السابق، بول بريمر، والذي كان شبه حكم بالإعدام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمعنوي على كلّ من تعاون حتّى مع حزب البعث العربي الحاكم السابق قبل 2003. ورغم أنّ النسخة الجديدة أسقطت العديد من الأحكام المسبقة على البعثيين السابقين، إلا أنّ العديد من الكتل السياسية من مختلف الجهات أبقت معارضتها لهذا القانون. ورأى بعض النواب الشيعة أن القانون «متساهل للغاية»، في حين قال بعض السنة إنه لا يزال قاسياً للغاية. وأشار المتحدث الحكومي علي الدباغ إلى أنه يحقّق حالة من التوازن بين العفو والمحاسبة.
وفوراً، أشاد الرئيس الأميركي جورج بوش بالقانون الجديد، واصفاً إياه بأنه «خطوة مهمة نحو المصالحة وعلامة مهمة على أن زعماء هذا البلد يدركون بأن عليهم العمل معاً لتلبية طموحات الشعب العراقي».
أمّا الرفض الأوضح، فظهر في بيان صدر عن كتل وقوى برلمانية أوّل من أمس، وصف القانون بأنه «غير واقعي وغير قابل للتطبيق لكونه يحتوي على عدد من الفقرات التي تدعو إلى الثأر والانتقام». وحمل البيان توقيع جبهة الحوار الوطني والقائمة العراقية الموحّدة والكتلة العربية المستقلة ومجلس الحوار الوطني وكتلة مستقلون المنضوية في جبهة التوافق.
كما رفض المتحدث باسم حزب البعث «الدكتور أبو محمد» القانون الجديد، مشيراً إلى أنه ليس إلا «تغييراً لاسم القانون الفاشي الاستعماري الصهيوني المسمى قانون اجتثاث البعث ومحاولة هزيلة تافهة لتجميل الطبيعة الفاشية الوحشية القبيحة للقانون».
كما شهدت بلاد الرافدين، قراءة أولى للنسخة الجديدة للعلم العراقي. والتغييرات التي أُدخلت على العلم الجديد، تُختَصَر بالآتي: كتابة عبارة «الله أكبر» بالخطّ الكوفي، وباللون الأصفر الذي اتخذه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني رمزاً لعلمه في أربيل. أمّا التغيير الآخر، فهو «غير منظور»، يتمثّل بتفسير النجمات الثلاث، التي كانت ترمز بعد انقلاب شباط 1963 إلى الوحدة المقترحة آنذاك بين العراق ومصر وسوريا، بينما رأى بعض المطالبين بتغيير العلم أنّ هذه النجمات ترمز إلى شعار حزب البعث «وحدة، حرية، اشتراكية». وفي عراق الاحتلال، باتت النجمات الثلاث ترمز إلى «السلام والعدالة والتسامح».
في المقلب الآخر من الأحداث، أصدرت 12 كتلة برلمانية بياناً مشتركاً يتعلق برؤية موحّدة لقانون النفط والغاز ورفض القانون الجاري مناقشته حالياً من قبل النواب، ويشدد على رفض تقسيم العراق، وإنهاء مبرّرات وجود القوات الأجنبية على الأرض العراقية، وحلّ موضوع مدينة كركوك باعتبارها «نموذجاً للوحدة الوطنية».
وأكّدت الكتل النيابية، في بيان تلاه النائب عن القائمة العراقية أسامة النجيفي، في مؤتمر صحافي عقده في المنطقة الخضراء في بغداد، أن «المصلحة الوطنية العليا تقتضي الحفاظ على العراق الواحد وعلى العملية السياسية، بعيداً عن المحاصصة وعن ظاهرة التحالفات الضيقة»، في انتقاد ضمني للتحالفين الرباعي والثلاثي الداعمين لحكومة المالكي، واللذين استُبعدت منهما الكتل الموقّعة على البيان، وهي: التيار الصدري، «جبهة التوافق»، القائمة العراقية الموحّدة، كتلة رساليون، حزب الدعوة الإسلامية (تنظيم العراق)، مجلس الحوار الوطني، الجبهة العراقية للحوار الوطني، الكتلة العربية المستقلة، حزب الدعوة (جناح إبراهيم الجعفري)، الجبهة التركمانية، الحركة اليزيدية، المستقلون في جبهة التوافق وممثل طائفة الشبك.
وكان النائب نور الدين الحيالي عن «جبهة التوافق» قد سبق وكشف في وقت سابق عن أنّ تكتلاً سياسياً جديداً سيتم الإعلان عنه يوم الأحد (أمس) يضمّ 10 كتل برلمانية ردّاً على تحالف الحزب الإسلامي العراقي، مع الحزبين الكرديين في كانون الثاني الماضي، فيما بات يُعرَف تحت اسم «التحالف الثلاثي».
من جهته، فضّل النائب الصدري حسن الربيعي وصف بيان التفاهم بأنه «لا يمثّل كتلة سياسية ولا تحالفاً في الوقت الحاضر، لكن في المستقبل، إذا خرجنا من المأزق السياسي قد يتكوّن تحالف سياسي».
وجاء البيان الجماعي بعد أشهر من التنسيق بين المجموعات التي وقّعت عليه، ومن المنتظر أن يكون البيان مقدّمة لإعلان جبهة سياسية واسعة معارضة لحكومة المالكي. وإذا حصل ذلك، ستكون هذه الجبهة متمتّعة بأكثر من 100 نائب في البرلمان (من أصل مجموع 275 نائباً). ووصف النائب عبد الكريم العنزي عن حزب الدعوة ـــــ تنظيم العراق البيان بأنه «خطوة أولى لإقامة تحالف القوى السياسية العراقية وليس تأسيساً لكتلة جديدة للخروج من الدائرة الطائفية».
على صعيد آخر، كشف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أنّ بلاده تأمل في إبرام معاهدة «طويلة الأمد» مع الولايات المتحدة بحلول شهر تموز المقبل لإرساء العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ولتحديد الوضع القانوني للقوات الأميركية، وذلك في الوقت الذي قُتل فيه 3 جنود أميركيين في اليومين الماضيين، في شمال بغداد ونينوى.