برلين ــ غسان أبو حمد
مرحلة الخوف من وقوع أعمال إرهابيّة على الأراضي الأوروبيّة دخلت جدّياً أمس أسبوعها الثاني، لتشمل بعد ألمانيا، كلّاً من فرنسا والنمسا والنروج وبعض الدول الغربية التي يشارك قسم من جنودها في عداد قوّات السلام التابعة للأمم المتحدة، والناشطة في بعض مناطق التوتر والنزاع في العالم، وخصوصاً في جنوب لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.
وما يزيد من خوف الدول الأوروبيّة، هو الحملات الصحافية التي تفسح المجال لمخيّلة كتابها في الحديث عن ضرب بعض المنشآت الأوروبيّة الشهيرة والمعروفة. وهي تصلح سيناريوات ناجحة لأفلام الرعب «الهوليوودية»، كتوقّع صدم طائرة سفر مدنية بـ«برج إيفيل» في فرنسا، أو إقدام «عربي» على تزنير جسمه بالمتفجرات وتفجير نفسه داخل قطارات السفر، أو تفجير مصافي النفط وشبكات أنابيب الغاز في أوروبا، أو حتّى زرع متفجّرات موقوتة للانتقام من الاحتفالات الشعبيّة الموسيقيّة العامّة في وسط المدن الأوروبية.
كذلك، إن زرع قنابل موقوتة داخل ملاعب كرة القدم والقضاء على مشجعي الحياة الرياضية المحتشدين في هذه الملاعب لتشجيع الفرق الرياضية في بطولة كأس أوروبا، ليس مستغرباً، حسبما ذكرت وكالة الأخبار النمساوية وصحيفة «دي فيلت» الألمانية.
مخيّلة كتّاب «سيناريوات الرعب» تترافق مع حملات مدروسة تجريها الاستخبارات الأوروبية، التي بدأت بتطوير أجهزة الرقابة السريّة، على المواطنين، سواء عبر الكاميرات الخفيّة المزروعة في الطرق العامة، أو عبر أجهزة التنصّت السرّي على الاتصالات الهاتفية، أو حتى الطلب المسبق من بعض المواطنين الأجانب والمراسلين الصحافيين، إعلان موافقتهم المسبقة على مراقبة الشرطة الأوروبية لشبكات اتصالهم السلكية واللاسلكية، بما في ذلك أجهزة الهاتف النقال والكومبيوتر المحمول. وهذه الموافقة المسبقة المطلوبة من المواطنين في أوروبا ضرورية، احتراماً لمبدأ حقوق الإنسان والحريّات العامّة!
شبكات التخويف هذه تتداخل مع بعضها لتشمل شركات الإعلان التجارية التي تقدّم دعايات وإعلانات لبيع برامج كومبيوتر رخيصة وشبه مجانية إلى المواطنين لمكافحة الـ«فيروس الأمني» المتسلّل إلى داخل الأجهزة التي بحوزتهم.
واستندت الحملات الإعلاميّة التي تبشّر المواطنين في العواصم الأوروبية بالموت، إلى تأكيد رسمي من «شعبة مكافحة الجريمة في ألمانيا الاتحادية» لتلقّيها تهديدات من جماعات متطرّفة بضرب منشآت في ألمانيا، أو تأكيد شركات السفر البرتغالية لتلقيها تهديدات عبر الهاتف بالاعتداء على قوات السلام الأوروبية العاملة في بعض مناطق التوتر في العالم وضرب مصالح وأماكن معروفة في العواصم الأوروبية (صحيفة «لوموند» الفرنسية)، أو إلى نتائج إحصاءات تلفزيونية، وصفها بعض علماء النفس بأنّها مضحكة، وتمثّل رافعة انتخابية لصالح بعض الأحزاب اليمينيّة في بعض المقاطعات الألمانية المحافظة، ومنها اتصال بعض المذيعين على شاشات التلفزة مباشرة ببعض العجزة في المدن الأوروبية، وتوجيه السؤال التالي: «هل أنت خائف من إقدام الأجانب على عمليات إرهابيّة في أوروبا؟»، والردّ السريع هو بطبيعة الحال: «نعم».
وفي سياق استكمال هذه المخيّلة الإعلاميّة الخصبة، تنقل وكالة «نات وورلد» النمساوية، «حادثة زواج محمد ومنى» في فيينا على الطريقة الإسلامية من دون تسجيل هذا الزواج في الدوائر الرسميّة الأوروبيّة، ما دفع جهاز الاستخبارات التابع لشعبة مكافحة الإرهاب في أوروبا إلى دهم منزل محمّد ومصادرة كومبيوتره المحمول، الخاضع للممراقبة السرية، لمعرفة المقصود بدعوة «حفل الزفاف» التي وجهها إلى معارفه وأصدقائه لمشاركته و«زوجته.. فرحة الزواج» والتمتع بنكهة «الحلويات والفستق الإيراني».
ورداً على هذه الحملات، وصف مسؤول العلاقات الخارجية في «حزب الخضر» الألماني، بيتر بيلز، أعمال الرقابة الأمنية على شبكات الاتصال بأنها «أساليب تعيد إلى الذاكرة بعض الإجراءات الاستخباريّة (شتازي) التي كانت سائدة في جمهورية ألمانيا الشرقية». لكن هل هذه المخيلة وهمية؟ الصحف نقلت على صفحاتها صوراً لمواقع «مؤهّلة» لتلقي ضربات إرهابية، بينها تسجيل «الهدف» الرئيسي في شباك مباريات بطولة كأس أوروبا لكرة القدم.