شهيرة سلوم
قبل أيام، أعلنت إحدى القبائل الباكستانية في المنطقة الشمالية الغربية المحاذية لأفغانستان، أنها تنوي إنشاء ميليشيا من أبنائها لملاحقة المتمرّدين الموالين لتنظيمي «القاعدة» و«طالبان»، ردّاً على مقتل ثمانية من زعمائها الأسبوع الماضي. إعلان ربما يمهّد لتنفيذ إحدى الخطط الأميركية التي وُضعت أخيراً لمحاربة تنظيم أسامة بن لادن، بعدما عجز نظام برويز مشرّف عن إتمام المهمة التي أُوكلت إليه بعد الحادي عشر من أيلول.
تقضي الخطة الأميركية بإدخال عناصر من القوات الخاصة إلى المناطق القبلية، حيث تقوم بإعداد وتدريب ميليشيات من القبائل لخوض حرب بالوكالة على «القاعدة». وتشير مسودة الخطة إلى العناصر القبلية التي ينبغي تسخيرها؛ عديدها وأماكن وجودها، بحيث تكون على خطوط التماس مع عناصر «القاعدة».
وفيما رأى البعض أن الخطة لا تستوجب تورّطاً مباشراً للقوات الأميركية في باكستان، إلا أنه يمكن أن تتولى قوات خاصة لمكافحة الإرهاب العمل مع العناصر المجنّدة، في مهمات نوعية، بأسلوب يشبه التكتيك الذي يعتمد في محافظة الأنبار العراقية، حيث عملت قوات خاصة مع «مجالس الصحوة» لملاحقة عناصر «القاعدة».
خطة وإن بدت بوادر تنفيذها تلوح في الأفق، إلا أنها ليست مؤهّلة للنجاح في منطقة وعرة تفتقر واشنطن إلى الوجود العسكري فيها، كما هي حال العراق، حيث تنشر أكثر من 150 ألف جندي.
كذلك تعترض خطة عرقنة باكستان مجموعة إشكاليات؛ أوّلها أن إقليم وزيرستان، حيث تريد واشنطن إبرام شراكة مع زعماء قبائل البشتون، ليس كمحافظة الأنبار العراقية. في هذا الإقليم يرقد «القاعدة» بعناصره وزعاماته وقاعدته الشعبية (شعبية بن لادن، الذي تدّعي واشنطن وجوده في تلك المنطقة، تتخطى شعبية الرئيس الباكستاني، بحسب استطلاعات الرأي).
إذاً، تطمح واشنطن إلى محاربة «القاعدة» في عقر داره، بعدما تمكن من تشييد الجنة الآمنة في المنطقة، وأعاد تنظيم نفسه للانطلاق في هجمات جديدة على طرفي الحدود الأفغانية والباكستانية.
الإشكالية الأولى تستدعي الثانية المتعلقة بكيفية الحصول على ولاء وإخلاص الميليشيات القبلية التي ستعمل على إنشائها: تُدين هذه القبائل بالولاء للسلطة في إسلام آباد، وسبق لها أن حاربت، إلى جانب الحكومة، المتمرّدين في المنطقة الشمالية الغربية، وهي مرتبطة بأجهزة الاستخبارات الباكستانية وتتلقى تعليماتها منها، والتي يشتبه البعض داخل الإدارة الأميركية بأنها تقدّم المساعدة لحركة «طالبان» كي تشنّ هجماتها على قوات حلف شمالي الأطلسي في أفغانستان، ما يُثير مخاوف من أن تقوم الحركة بالاستفادة من هذه الميليشيا المجنّدة كي تعمل لمصلحتها.
إضافة إلى تعاظم نفوذ «عدو واشنطن»، تواجه الأخيرة مشكلة ضعف السلطة الباكستانية، التي لم يسهم اغتيال رئيسة الحكومة السابقة بنازير بوتو إلا في إكسابها مزيداً من الضعف، ضعف سيحول دون الاعتماد على تلك السلطة لإتمام المهمة وحدها.
أمام هذه الإشكاليات، ومع الإلحاح الذي تستدعيه معالجة ملف الدولة التي تمتلك ترسانة نووية، وتشهد منذ بداية العام الماضي أزمة سياسية خانقة، تستمر الإدارة الأميركية في طرح سيناريوات جديدة لاستئصال «الإرهاب»، آخرها خطة لتوسيع صلاحيات وكالة الاستخبارات الأميركية للعمل في المناطق القبلية، بالتعاون مع قوات عمليات عسكرية خاصة ترسل إلى تلك المنطقة لضرب أهداف بعينها، وتعتمد على أجهزة الاستخبارات الباكستانية لتأمين المعلومات. ولا يتجاوز عديد القوات الأميركية في باكستان خمسين عنصراً، وأي تعديل فيها سيكون لمصلحة هذه القوات الخاصة التي تقوم بمهمات نوعية، كقتل بن لادن أو الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري.
قوات أميركية ستنفذ مهمتها داخل منطقة قال فيها جنرال بريطاني، قاد عمليات عسكرية داخلها في بدايات القرن الماضي، «عند تقرير القيام بعملية عسكرية في منطقة قبائل البشتون، أول ما ينبغي أن تخطط له هو الانسحاب، لأن أية عملية في تلك المنطقة ستنتهي عاجلاً أم آجلا بالانسحاب».
وفي مقابلة مع صحيفة «نيوز ويك» أول من أمس، رفض مشرّف أي عملية عسكرية أميركية على الأراضي الباكستانية، مشيراً إلى أن قواته أعلم بتلك المنطقة الوعرة، وأقدر على تحمّل ظروفها القاسية والتعامل مع القبائل والعادات، لافتاً إلى أن «الجندي الباكستاني يسير على المياه والصخور، فيما يحتاج الجندي الأميركي إلى الشوكولا».