strong> حسام كنفاني
مع نهاية جولة الرئيس الأميركي جورج بوش الشرق أوسطية الأولى، التي رفعت عنوان «دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، قد يكون من المفيد استشراف درجة هذا الدفع في ظل ظهور معايير أميركية جديدة في النظر إلى أي اتفاق سلام مرتقب، سواء نهاية هذا العام أو بعد ذلك بكثير.
المعايير الجديدة ظهرت في بيان الرئيس الأميركي الخميس الماضي من القدس المحتلة، الذي يمكن اعتباره «صيغة محدّثة» لرؤية الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، التي أعلن بوش تبنيها منذ اليوم الأول لوصوله إلى الرئاسة الأميركية. غير أن هذا التحديث لا يمت بصلة إلى صيغة التوازن التي تدّعيها الإدارة الأميركية في تعاطيها مع ملف التسوية. إذ إن «الحَكَم» الأميركي لم يكتفِ بتبني الطرح الإسرائيلي، بل تخطاه في بعض القضايا «الجوهرية» في أي اتفاقية سلمية.
بناءً عليه، قد تكون سعادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مستغربة، وهو يتحدّث عن «الزيارة التاريخية» للرئيس الأميركي إلى الأراضي الفلسطينية. فعدا فرادة هذه الزيارة لجهة حدوثها، فإن قدوم بوش قد يكون صعّب شروط التفاوض الفلسطينية، وباتت الأمور أسوأ من ذي قبل، ولا سيما أن «رؤية بوش» لحل الدولتين لم تعد مقتصرة على عنوان الدولتين، بل أدخل عليها تحديثات وتوصيفات لهاتين الدولتين لا تتوافق مع الرغبة الفلسطينية، على الأقل المعلنة.
بيان الرئيس الأميركي من القدس المحتلة في ختام لقاءاته الرسمية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، حمل توسّعاً في مفهوم الدولتين واصطف بشكل كامل في خانة الموقف الإسرائيلي في العديد من النقاط، ولا سيما ما خص اللاجئين والحدود، من دون نسيان «مكافحة الإرهاب»، التي باتت محط كلام أميركياً ـــــ إسرائيلياً لدى الحديث عن أي اتفاق سلام مرتقب، سواء كان نهاية العام الجاري أو بعد ذلك.
النقطة الأساس في البيان أو الرؤية الأميركية الجديدة، التي يجدر بالفلسطينيين، وخصوصاً سلطة محمود عباس، التوقف عندها طويلاً واستيضاح معانيها، كانت «آلية حل قضية اللاجئين»، التي اقتصرت على «التعويضات» ما يعني حكماً أميركياً بإسقاط حق أي لاجئ بالعودة إلى الأرض التي شرّد منها. وبذلك يكون الرئيس الأميركي قد تخطّى رؤية الحل الإسرائيلية بمراحل، فإذا كانت بعض الطروحات الإسرائيلية تتقبّل عودة آلاف اللاجئين، وفي بعض الرؤى قد يصل الرقم إلى 100 الف، فإن الحكم الأميركي جاء صارماً وجازماً: الحل بالتعويضات فقط لا غير.
والنقطة الأخطر في «الرؤية الجديدة» ليست اعتبار إسرائيل دولة للشعب اليهودي، وهي عبارة اعتاد بوش استخدامها منذ بداية عهده، وهي مدرجة بالأساس في وعد قطعه لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون مع الظهور الأول لخطة «خريطة الطريق» عام 2003.
الخطورة تكمن في اعتبار الدولة الموعودة «دولة للشعب الفلسطيني». ومثل هذا التعبير يحمل مفهوماً مطاطاً وحمّال أوجه؛ فالشعب الفلسطيني ليس موجوداً فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة. فإضافة إلى ملايين الشتات الذين حكم لهم بوش بالتعويضات، هناك فلسطينيو 48 المدرجون ضمن هذا الشعب الفلسطيني الذي يجب أن يعيش في «الدولة الفلسطينية»، بحسب رؤية بوش الجديدة.
ولا يمكن فصل هذا البند عن الحديث عن «تعديل خطوط الهدنة»، التي تكلّم عنها بوش، ما يعني أيضاً موافقة ضمنية على ترانسفير فلسطينيي 48، أرضاً وشعباً، وهو ما يتطابق مع مطالبات اليمين الإسرائيلي بالنسبة إلى تبادل المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية مع قرى المثلث العربية في فلسطين التاريخية.
ومن الواضح أن تعديلات «الرؤى» اقتصرت على رغبات الجانب الفلسطيني، فالرئيس الأميركي لم يلحظ أي شروط مسبّقة على الجانب الإسرائيلي. وباستثناء المطالبة الخجولة بوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، لم يخُض سيد البيت الأبيض في أي «رؤية» لوضع القدس المحتلة في الاتفاق النهائي، ما دامت إسرائيل لم تحدّد رؤيتها بعد لهذا الحل.