strong>بادرة من «العدالة والتنمية» تثير انقساماً في صفوفهم
مثلما شقّ حزب العدالة والتنمية صفوف ممثّلي الأكراد في الحياة السياسيّة التركيّة، يبدو أنّه في طريقه نحو فعل الأمر نفسه، عرضيّاً أم عن قصد، مع ممثّلي الطائفة العلويّة، ثاني أكبر مشكلة داخليّة تعاني منها البلاد، بعد الأزمة الثقافية والقومية والسياسية التي يمثّلها الوضع القانوني للأكراد.
ومعروف أنّ علويّي البلاد يمثّلون ما بين 20 و30 في المئة من مجموع المسلمين، غير أنهم غير معتَرَف بوضعيّتهم الخاصّة كطائفة متميّزة عن المذهب السنّي. ولمّا كان الشهر الجاري، أكثر الشهور احتراماً من الناحية الدينية بالنسبة لعلويّي تركيا (شهر محرّم أول شهور السنة الهجرية والذي يتكرّس بالعاشر منه في واقعة كربلاء)، شاء الحزب الحاكم أن يسير في خطواته التي بدأها مع الأكراد، والتي تتمثّل في محاولات التقرّب من بعض ممثّلي تلك الطائفة، علّهم يستطيعون إسباغ صفة شرعيّة للحكم في عيون ملايين العلويّين. وآخر تلك الخطوات، جرت يوم الجمعة الماضي، حين نظّم الحزب إفطاراً استعراضيّاً في فندق «بيلكنت» الفخم في العاصمة أنقرة، حضره إلى جانب رجب طيب أردوغان وممثّلين عن الحكومة، نحو 50 شخصيّة من ممثّلي منظّمات المجتمع العلوي، كما أحزابه وتنظيماته السياسية.
ورأت العديد من الصحف التركيّة أنّ الإفطار انتهى إلى «فضيحة»، نظراً إلى معطيات عديدة:
أوّلاً، كان منظّمو الإفطار من «العدالة والتنمية» قد تحدثوا عن رغبة أكثر من 10 آلاف بالمشاركة. وبحسب النائب عن الحزب الحاكم، إبراهيم ييغيت، فإنّ هذا العدد لم يحضر «لأنّ المنظّمين لم يتمكّنوا من تلبية طلبات الحضور».
ثانياً، لأنّ الإفطار وُصف على لسان عدد من مشايخ الطائفة العلويّة، إضافة إلى عدد من الممثّلين الاجتماعيين والسياسيين لها، بأنّه كان «فشلاً ذريعاً»، وحتّى مخالفاً لتقاليد الطائفة التي تنظر إلى شهر محرّم على أنه شهر حزن لا تتخلّله احتفالات وإفطارات سخيّة. ووصل الأمر إلى إصدار بعض المشايخ الدينيين أحكاماً تعاقب من شاركوا في الحفل دينيّاً.
أمام هذا الواقع، انقسم الشارع العلوي بين مرحّب بالخطوة الحكومية، علماً بأنّ إفطاراً كهذا كان الأوّل من نوعه في تاريخ البلاد، وبين مستنكر له. والغالبية الساحقة من المنظّمات العلوية رأت أنّ الإفطار كان «غير جدّي لأن الحكومة لا تتعامل بشفافية» مع أزمتهم. وعبّر عزّ الدين دوغان، رئيس إحدى المنظّمات العلويّة، عن هذا التوجّه عندما دان المشاركة في الإفطار، موضحاً أنه «فقط عندما تظهر الحكومة نيات إيجابية تجاهنا، سنجلس معهم على الطاولة».
كما أنّ رئيس منظّمة بير سلطان الثقافية، كاظم كنش، وصف كل من شارك في المناسبة الاجتماعية بأنه رئيس «منظّمات مزوّرة ووهميّة»، مبرّراً اتهامه للحكومة بالكذب في موضوع حقوق طائفته، بالاستناد إلى أنّ أردوغان «لم يذكر ولو حتّى مرّة واحدة في خطاباته، كلمة علويّين»، في إشارة إلى رفض الطبقة السياسية التركية الاعتراف بالخصوصية العلوية. غير أنّ الأمر وصل بصلاح الدين أوزيل، وهو رمز آخر للحركة العلوية، إلى حدّ اعتبار أنّ كلّ من شارك إلى جانب ممثّلي الحكومة في العشاء «منبوذون من مجتمعهم».
في المقابل، ارتفعت بعض الأصوات التي تشكر حكومة أردوغان على إقامة هذه المناسبة الاجتماعية. كما استنكر عدد من المشاركين في عشاء فندق «بيلكنت» قرارات العقوبات الدينية التي أشار إليها رجال الدين. وأكّد كل من كورشيب نويان ووالي غولر أنه «ليس من حقّ المشايخ أن يفرضوا مثل تلك العقوبات علينا، نظراً لأنّ الأجواء كانت ممتازة وأثّرت فيّ كثيراً ولأنّ أردوغان كان شفّافاً جدّاً»، على حدّ تعبير غولر.
وبين الأخذ والردّ والردود المقابلة، لا بدّ أنّ الحكومة تعرف تماماً، أنها حتّى لو استطاعت أن تنال رضى ومشاركة بعض ممثّلي الطائفة العلوية، فليست هذه الطريقة الفضلى لحلّ المشكلة العلوية جذريّاً. فالطريق الأسلم للوصول إلى هذا الهدف يبقى أن يرى العلويون خطوات ملموسة تساوي بينهم وبين الأتراك من المذهب السنّي، وليست هذه هي الحال اليوم، مع رفض المحكمة الإدارية السادسة في أنقرة، طلباً علوياً لإعطاء صفة «دور عبادة» على مساجد العلويّين.
هذا دينيّاً، أمّا اجتماعياً، فما أحداث الاعتداء على الطلّاب العلويّين في إحدى المدارس الشهر الماضي من قبل مدرّس تركي سنّي، رُفض طلب محاسبته قانونياً على فعلته، إلا دليل على أنّ الحكم التركي الإسلامي المعتدل لا ينوي السير بخطّة تعطي الملايين من العلويين حقوقهم على جميع المستويات: فلا هم مُعترَف بهم رسمياً كطائفة لها مكوّناتها الدينية والقومية المتميّزة، ولا الحصص الدينية في المدارس الخاصّة تلحظ تماماً تعاليمهم.
(الأخبار)