strong> حسن شقراني
تمكنت إدارة بوش، خلال الفترة الممتدة بين صيف عام 2003 وحتى نهاية عام 2006 (شهدت النتائج الاقتصاديّة المباشرة لغزوي أفغانستان والعراق، اللذين حفّزا نشاطاً هائلاً في الصناعة التسليحيّة) من إثبات فاعليّة عقيدتها الاقتصاديّة، القائمة أساساً على مبدأ «الحريّة الاقتصاديّة المطلقة» وأداة خفض نسبة الضرائب، حيث سجّلت نسبة التشغيل وهبوط نسبة البطالة، أرقاماً مميّزة، دفعت واشنطن إلى الاعتداد بـ«فقاعة بوش» وإلى تجاهل متهوّر للأزمة النقديّة والماليّة التي عصفت، ولا تزال، بالبلاد منذ آب الماضي، على خلفيّة أزمة القروض المنزليّة.
المستشارون الاقتصاديّون للرئيس الأميركي تنبهوا الشهر الماضي لما يمكن أن يحمله العام الأخير من ولاية الرئيس الجمهوري، من كساد حاد يؤكّد ما شهدته الأشهر الأخيرة: ما أنجزته الإدارة كان وهماً لحق الاضطرابات التي طغت على أداء أسهم التكونولوجيا في عامي 2001 و2002. وكانت نتيجة ذلك أن أطلقت الإدارة برنامجاً (صاغه القطاع الخاص بشكل أساسي!) لتقنين تدخّل القطاع العام في السوق الماليّة، بقيمة 40 مليار دولار لمعالجة أكثر من مليوني قرض منزلي تهدّد آخذيها بفقدان بيوتهم.
إذاً فما تصبو إليه تلك الاستراتيجيّة (رغم الجدل حول مدى فاعليّتها بسبب شروطها الصعبة وعدم إمكان مساعدتها جميع المقصّرين في دفع رواتبهم، بعد ارتفاع أسعار الفوائد) هو تدارك هبوط أكثر حدّة في النشاط الاقتصادي، يعبّر عنه استمرار فقدان ثقة المستهلك الأميركي وامتناعه عن الشراء، وخصوصاً أنّ عامل «الاستهلاك الأميركي» محرّك أساسي لاقتصاد أميركا (يشكّل الإنفاق الاستهلاكي ثلثي الناتج المحلّي الإجمالي) والعالم، حيث أنفق الأميركيّون خلال العام الماضي 9.5 تريليونات دولار، بينما نظراؤهم في الصين والهند صرفوا 1 ترليون دولار و650 مليار دولار، على التوالي، من رواتبهم على السلع الاستهلاكيّة.
بعد العطلة السوداء اقتصادياً، التي عاشتها أميركا في كانون الأوّل الماضي، توالت السيناريوهات المتعلّقة بالمنحى الذي سيتّخذه الاقتصاد الأميركي خلال عام 2008. ويمكن إدراج ملاحظتين في هذا السياق:
1ـ الاحتياطي الفدرالي الأميركي، برئاسة بن برنانكي، ومن خلال استمراره في نهج الاعتماد على نسبة «التضخّم الصميمي»، الذي يستثني الاحتياجات الضروريّة من الغذاء والطاقة، لتقويم الأداء الاقتصادي، تجاهل حجم الربط المبتكر والقوي بين النشاط الاقتصادي وأداء الأسواق الماليّة المتّسم بالخطورة. وبالتالي، استمرّ النهج الاقتصادي في الولايات المتّحدة قائماً على الانتقال من فقاعة إلى أخرى، لتشهد سنوات التسعينيّات «خيرات العولمة»، ضمن دورة اقتصاديّة كونيّة استقرّت حالياً على استيراد أميركا لـ6 في المئة من احتياجاتها من السلع المصنّعة من العالم الثالث (لعام 2006، وقد كانت 2.5 في المئة فقط عام 1992)، وهي نسبة تؤكّد التحوّل الطارئ، وإن كان شكله الظاهر «زاحفاً».
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تصريحات بيرنانكي، الخميس الماضي، حول كيف أنّ التوقّعات الاقتصاديّة للعام الجاري في الولايات المتّحدة «تزداد سوءاً» بسبب مستنقع قطاع المنازل وأزمة أسعار النفط. وهنا عقدة جديدة تنقلنا إلى الملاحظة الثانية والأهمّ.
2ـ انشغال مرشّحي الحزبين الديموقراطي والجمهوري إلى الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، بموضوع الاقتصاد، على أنّه المحدّد الأساسي المستجدّ للنجاح بعد انتهاء فاعليّة أوراق العراق والإرهاب والهجرة غير الشرعيّة. موضوع يكتسب طابعاً خاصاً من خلال التركيز على النفط الذي تجاوز سعر البرميل منه مع بداية العام، 100 دولار.
وبالنسبة إلى الديموقراطيّين، فإنّ النظريّة تفيد بأنّ الحل يكمن في اعتماد سياسة طاقة تخفض استهلاك النفط، وترتبط تلقائياً بمسألة الاحتباس الحراري وضرورة الاعتماد على الوقود البديل مثل الإيثانول. أمّا المرشّحون الجمهوريّون فيؤكّدون ضرورة إنتاج مزيد من الطاقة داخل أميركا (لتقليل الاعتماد على نفط الخارج وتحديداً «أوبك») عبر ضخّ مزيد من النفط الأميركي، واستخدام أكبر للفحم الأميركي لإنتاج الوقود السائل.
لجورج بوش نظرة مختلفة، لكونه الحاكم الآن وإن بسلطات يشوبها ضعف نسبي. فجولته (السياسيّة!) في الشرق الأوسط ترسو في النهاية على مواضيع اقتصاديّة، بينها بيع الرياض 900 قنبلة ذكيّة (موجّهة عبر الأقمار الاصطناعيّة) بقيمة 120 مليون دولار في إطار «صفقة الـ20 مليار دولار» التسليحيّة الشهيرة، التي بدأ الحديث عنها منذ زيارة وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس، وزميلها في الدفاع روبرت غيتس، إلى الخليج في منتصف العام الماضي. إلّا أنّ أساسها هو التشاور مع سلطات الدولة الأقوى في «أوبك»، عن واقعة كيف أنّ «أسعار النفط هي مرتفعة جداً، وهو الأمر الصعب على اقتصادنا»، على حدّ تعبير سيّد البيت الأبيض أمس...
كان واضحاً أنّ «كساداً سياسياً» هو النتيجة الحتميّة لزيارة بوش، فهل يعوّض عن ذلك بعلاج للكساد الاقتصادي المرتقب في أميركا من خلال تجاوب الحلفاء؟ الجواب يبقى للسوق والمضاربين.