واشنطن ـ محمد سعيد
بالرغم من مظاهر الثراء التي يشهدها كردستان العراق والنهضة العمرانية التي تعيشها مدنه، ولا سيما أربيل، كشف تقرير دولي جديد عن استشراء مظاهر الفساد في الإقليم، حيث يكافح المواطن الكردي في سبيل البقاء.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، في تقرير مطوّل أول من أمس، استناداً إلى تقرير للأمم المتحدة لم ينشر بعد، إنه في الوقت الذي تسعى فيه حكومة الإقليم، التي يتقاسمها الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى «تسويق كردستان باعتبارها منطقة واعدة وتقدمية وديموقراطية، يكافح المواطن الكردي العراقي في سبيل البقاء، بينما تجد الأموال العامة المسروقة طريقها إلى جيوب قلة متنفذة».
وأشار التقرير إلى أن «السلطة الكردية تعاقب بشدة كل من تسوّل له نفسه الخروج عن خطها»، لافتاً إلى «اعتقال السلطات الكردية آلاف المواطنين شهرياً، معظمهم لأسباب سياسية ومن دون محاكمة، ويحرم عليهم الاتصال بمحامين».
وقال التقرير إن «رجال الأعمال الأكراد يخشون التحدث بحرية عن الفساد الذي يواجهونه». غير أن القائد السابق في ميليشيا البشمركة الكردية، سامان الجاف، ذكر أنه «إذا كنت قريباً لأحد الزعماء السياسيين، بإمكانك الحصول على وظيفة في الحكومة مع ميزانية أو عقد قد تبلغ قيمته مليونين أو ثلاثة ملايين من الدولارات لتعبيد طريق على سبيل المثال».
وأضاف الجاف: «ليس من المهم إن كان هذا القريب يعرف أي شيء عن تعبيد الطرق أساساً، فالعقد سوف يباع مرات عديدة حتى يصل إلى أيدي شركة إنشاء حقيقية. ولكن عند ذاك، ستكون قيمته نصف القيمة الأصلية.. الفساد كالفيروس .. فهو يقتل كردستان».
وأوضحت الـ«بي بي سي» أنها اطّلعت على معلومات خاصة في وزارة التخطيط الكردية تفيد بأن المشاريع الحكومية لا تمنح بطريقة شفافة وحسب الأصول، وأن الوزراء وكبار المسؤولين يحاولون أن يمنحوا المقاولات لشركاتهم أو للشركات التي يملكها أصدقاؤهم.
وأشار التقرير إلى أن «الأكراد العاديين يجاهدون من أجل الحصول على لقمة العيش، حيث يعانون التضخم والبطالة وانقطاع الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء.. ففي مدينة السليمانية، ثانية كبريات مدن الإقليم ومعقل الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني، يقول السكان إنهم لا يحصلون على المياه الجارية إلا لأربع ساعات كل ثلاثة أيام».
ونبَّه التقرير إلى أنه على الرغم من أن ميزانية إقليم كردستان العراق تجاوزت العام الماضي ستة مليارات دولار، جلّها من حصة الإقليم من صادرات النفط العراقي، إلاَّ أن الفجوة لا تزال تتسع بين المواطنين العاديين والصفوة الحاكمة.
ونقلت الـ«بي بي سي»، في تقريرها، عن آرى هارسين، وهو مقاتل سابق في صفوف قوات البشمركة ويعمل الآن رئيساً لمكتب صحيفة «أويني» المستقلة في أربيل، قوله: «إن بعض المسؤولين الحاليين الذين كانوا يقاتلون معنا في الجبال منذ عشرين سنة .. يستقلون الآن سيارات لاند كروزر ذات النوافذ القاتمة، ولديهم الكثير من الحرس .. إنهم يرون كيف يعيش المواطن العادي ولكنهم لا يخجلون».
وقد اعترف قباد الطالباني، نجل الرئيس العراقي، بوجود «مشكلة مع الفساد، وبضرورة الإصلاح». ولكنه يصرّ، مع ذلك، على أن كردستان تمثّل «منارة أمل في شرق أوسط متردٍّ جداً».